للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لدى قوى الشر التي تريد التصدي للحق، ولا سبيل إلى علاجها - كما يبرز في مكائدها وتحالفها ضد الإسلام وأهله، مهما تسترت خلفه من أقنعة، أو سارت وراءه من غايات ومبادئ - إلا بنفس العلاج الجهادي الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا القول الكريم: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (١) ثم مدح الله هذه الفئة بصالح أعمالهم وجميل صفاتهم، وذلك بقوله: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (٢). فكان هذا إيذانا للبدء بالقوة، ودخول طور جديد في حياة المسلمين وتهيئة نفوسهم لتقبل الجهاد، والثبات في ملاقاة أعداء الله: ردا للظلم، وانتصارا لشرع الله، واحتسابا لما وعدوا به في إحدى الحسنيين: إما الظفر على الأعداء أو الشهادة في سبيل الله. وفي كلا الحالين رفع للذلة عن المسلمين، وإعانة للمظلوم، وتقوية للأمة الإسلامية.

قال أبو السعود في تفسيره، عندما مر بهذه الآية الكريمة: أي بسبب أنهم ظلموا وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم، كان المشركون يؤذونهم، وكانوا يأتونه عليه الصلاة والسلام بين مضروب ومشجوج ويتظلمون إليه، فيقول عليه الصلاة والسلام: «اصبروا فإني لم أومر بالقتال» حتى هاجروا فأنزلت هذه الآية، وهي أول آية نزلت في القتال، بعدما نهي عنه في نيف وسبعين آية، وقد وعدهم بالنصر وأكد ذلك بمؤكد، وأن المراد ليس تخليصهم من أيدي المشركين، بل تغليبهم وإظهارهم عليهم، والإخبار بقدرته على نصرتهم، وارد على سنن الكبرياء (٣).

أما ابن كثير رحمه الله، فقد أورد قول مجاهد والضحاك وغيرهما من علماء السلف الذي جاء فيه: هذه أول آية نزلت في الجهاد، واستدل بعضهم بأن


(١) سورة الحج الآية ٣٩
(٢) سورة الحج الآية ٤١
(٣) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم ٤: ٢٨.