للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمم المغزوة، فينتج عن ذلك السمعة الحسنة، والاستجابة لداعي دين الله، هذه أخلاق الظافرين من أبنائه تواضعا ورأفة واهتماما بالضعفاء، وعدلا بين الناس. وما ذلك إلا أنهما تلقنا من مدرسة النبوة المفهوم الحقيقي للجهاد، والتواضع المطلوب من القيادة، والأجر العظيم الذي يناله المجاهد الصادق (١). كيف لا وهما ملازمان لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسمعان منه مثل هذا القول الكريم الذي يحرك المشاعر، ويثبت الوجدان: «والذي نفس محمد بيده ما شحب وجه، ولا اغبرت قدم في عمل تبتغى به درجات الجنة بعد الصلاة المفروضة كالجهاد في سبيل الله عز وجل (٢)». وما ذلك إلا أن الجهاد هو ذروة سنام دين الإسلام.

أما أبو طلحة رضي الله عنه، فإنه لم يمنعه كبر سنه من إدراك مفهوم الدعوة إلى الجهاد، حسبما حوته النصوص الشرعية، بأهمية المبادرة إليه، وعدم التواني عن المشاركة في أقرب فرصة تسنح، لعل الله أن يكتب له الشهادة، فيحظى بما أعد الله للمجاهد من فضل، وتكون خاتمة حياته حسنة، فقد قال عندما سمع بالنفير إلى الجهاد، في إحدى الغزوات التي اتسعت بها رقعة الإسلام، وأزال الله بها غشاوة الوثنية: يقول الله عز وجل: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} (٣) أي كهولا وشبابا، ثم قال: ما أرى الله عذر أحدا، فخرج إلى الشام فجاهد حتى قتل (٤).


(١) انظر بعضا من وصايا أبي بكر في البداية والنهاية.
(٢) جامع العلوم الحكم لابن رجب ص ٢٥٩.
(٣) سورة التوبة الآية ٤١
(٤) مصنف ابن أبي شيبة ٥: ٣٤١.