للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الماوردي: أصول المكاسب الزراعة والتجارة والصنعة، والأشبه بمذهب الشافعي أن أطيبها التجارة وقال: والأرجح عندي أن أطيبها الزراعة؛ لأنها أقرب إلى التوكل، قال النووي: والصواب أن أطيب الكسب ما كان بعمل اليد، فإن كان زراعة فهو أطيب الكسب لما يشمل عليه من كونه عمل اليد، ولما فيه من التوكل، ولما فيه من النفع العام للآدمي والدواب، ولأنه لا بد فيه في العادة أن يؤكل منه بغير عوض (١).

وقال ابن حجر: وفوق ذلك من عمل اليد ما يكتسب من أموال الكفار بالجهاد وهو مكسب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو أشرف المكاسب لما فيه من إعلاء كلمة الله تعالى، وخذلان كلمة أعدائه والنفع الأخروي. قال: ومن لم يعمل بيده فالزراعة في حقه أفضل، ثم قال: والحق أن ذلك مختلف المراتب، وقد يختلف اختلاف الأحوال والأشخاص، والعلم عند الله تعالى (٢).

وقال العيني: ينبغي أن يختلف الحال في ذلك باختلاف حاجة الناس، فحيث كان الناس محتاجين إلى الأقوات أكثر كانت الزراعة أفضل للتوسعة على الناس (٣).

وباستعراض هذه الأقوال وغيرها يتبين لنا فضل العمل، وكسب اليد، ولا ريب أن الأعمال والمهن المشروعة كلها فاضلة، وإن كان بعضها أفضل من بعض، وأفضلها أعظمها نفعا للأمة وأعمها خيرا وفائدة لها، وأكثرها سدا لحاجاتها.

وتظهر لنا من خلال ذلك نظرة العلماء الواعية في مجال بناء المجتمع الإسلامي وتكافله على أساس الإفادة من جميع الطاقات، وتوزيع المهن


(١) النووي، شرح صحيح مسلم (١٠/ ٢١٣)، ابن حجر، فتح الباري (٤/ ٣٠٤).
(٢) ابن حجر، فتح الباري (٤/ ٣٠٤).
(٣) بدر الدين العيني، عمدة القاري (١٢/ ١٥٥).