للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شعر الغزوات]

بين جيوش المؤمنين الذين عاهدوا الله ورسوله على البذل، وتحت ألوية التوحيد غزا كعب بن مالك وشهد غزوات الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير بدر وتبوك، غزا ومعه سيفه الصارم ولسانه البتار وقلمه المصور، غزا فأبلى وأحسن البلاء فكما أرسل مهنده وسنانه أرسل لسانه يصور، ويتحدث عن الإسلام وما جاء به، وما يدعو إليه، وتوعد الجاحدين بالقوة الإلهية التي تجتاح المعاندين، وفي بعض شعره في الغزوات تراه المؤرخ الذي يذكر أسماء القتلى في المعارك. وما كان يهدأ غبار المعارك حتى يسترجع خواطره وما فيها من صور ثم يترجم الصور والمشاهد شعرا عاش على الزمن حيا ينقل للأجيال صور المعارك الإسلامية وما كان فيها من بطولات، وكثيرا ما هزته نشوة الانتصار في بدر فرجع إليها يستثير بها الهمم، ويكشف ظفر القلة المؤمنة على الكثرة الباغية، ومما قال في بدر وتعرض فيه لذكر أسماء رءوس الكفر الذين صرعهم المسلمون قوله:

وقد عربت بيض خفاف كأنها ... مقاييس يزهيها لعينيك شاهر

فكب أبو جهل صريعا لوجهه ... وعتبة قد غادرنه وهو عاثر

وشيبة والتيمي غادرن في الوغى ... وما منها إلا بذي العرش كافر

فأمسوا وقود النار في مستقرها ... وكل كفور في جهنم صائر

تلظى عليهم وهي قد شب حميها ... بزبر الحديد والحجارة ساجر

وكان رسول الله قد قال اقبلوا ... فولوا وقالوا إنما أنت ساحر

البيض: السيوف، تلظى: تلهب، شب: أوقد، زبر الحديد: قطعه، الساجر: الموقد.

وفي الأبيات الثلاثة الأخيرة ساق معاني قرآنية لا تخفى على القارئ.

ومن قصيدة طويلة له في أحد قال:

فجئنا إلى موج من البحر وسطه ... أحابيش منهم حاسر ومقنع

ثلاثة آلاف ونحن نصية ... ثلاث مئين إن كثرنا وأربع

نغاورهم تجري المنية بيننا ... نشارعهم حوض المنايا ونشرع

تهاوي قسي النبع فينا وفيهم ... وما هو إلا اليثربي المقطع

ومنجوفة حرمية صاعدية ... يذر عليها السم ساعة تصنع

تصوب بأبدان الرجال وتارة ... تمر بأعراض البصار تقعقع