للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والراجح في هذه المسألة أن الوصي لا يملك تزويج الصغيرة بغير إذنها. إذ ليس عنده من الشفقة ما عند الأب، ولأن الصحيح أن غير الأب من الأولياء لا يجوز له تزويج اليتيمة بغير إذنها، مع أنه قريب لها، فمن باب أولى أن لا يجوز ذلك للوصي الذي هو بعيد عن المرأة غالبا. لكن قد يقال: بأنه يجوز للوصي أن يزوج الصغيرة إذا بلغت تسع سنين بإذنها، وقد سبق أن هذا القول هو الصحيح في مسألة تزويج غير الأب والجد من الأولياء لليتيمة، وهذه يتيمة، فيلحق الوصي بهم في الحكم، ومما يؤيد ذلك حديث ابن عمر حينما زوجه قدامة بن مظعون ابنة أخيه عثمان بن مظعون بدون إذنها، وكان وصي أبيها، فرد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحه، وقال: «هي يتيمة، ولا تنكح إلا بإذنها (١)»، وقدامة رضي الله عنه إنما زوجها بالوصية لا بالقرابة، فقد كان هناك من هو أولى بتزويجها من قدامة لولا الوصية، كأخيها السائب بن عثمان بن مظعون، وهو صحابي بدري عاش إلى زمن أبي بكر رضي الله عنه (٢)، وأيضا فإن قدامة وابن عمر نصا في هذا الحديث على الوصية، فدل على أن قدامة إنما زوج ابنة أخيه بموجبها، وإلا كان ذكرهما للوصية ضائعا (٣)، والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على قدامة تزويج اليتيمة مطلقا، وإنما أنكر عليه تزويجها بغير إذنها، وأمره ألا يزوجها إلا بإذنها (٤)، واليتيمة من لم تبلغ، لحديث: «لا يتم بعد احتلام (٥)»، فحديث ابن عمر صريح في صحة تزويج الوصي لليتيمة المميزة قبل بلوغها إذا أذنت، وعدم جواز تزويج اليتيمة غير المميزة، لأنه ليس لها إذن معتبر، وقد جاء النهي في هذا الحديث وغيره عن تزويج اليتيمة بغير إذنها. والله أعلم.


(١) رواه الإمام أحمد ٢/ ١٣٠، والدارقطني في النكاح ٣/ ٢٣٠، ومن طريقة الخطيب في المبهمات ص ٥٢١، والبيهقي في النكاح باب ما جاء في إنكاح اليتيمة ٧/ ١٢٠ عن يعقوب - وهو ابن إبراهيم بن سعد الزهري عن أبيه عن ابن إسحاق حدثني عمر بن حسين بن عبد الله مولى آل حاطب عن نافع به، وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، عدا ابن إسحاق صاحب المغازي وهو " صدوق مدلس " كما في التقريب ٢/ ١٤٤، وقد صرح بالتحديث. ورواه الدارقطني ٣/ ٢٢٩ من طريق محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن عمر بن حسين عن نافع عن ابن عمر أنه تزوج بنت خاله عثمان بن مظعون، قال: فذهبت أمها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن ابنتي تكره ذلك، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفارقها، ففارقها، وقال: " لا تنكحوا اليتامى حتى تستأمروهن، فإذا سكتت فهو إذنها " فتزوجها بعد عبد الله المغيرة بن شعبة. وإسناده حسن، رجاله ثقات، عدا ابن أبي فديك، وهو " صدوق " كما في التقريب ٢/ ١٤٥. والحديث قال عنه الهيثمي في المجمع ٤/ ٢٨٠: " رواه أحمد، ورجاله ثقات " وحسنه الشيخ محمد ناصر الدين في الإرواء ٦/ ٢٣٣١، رقم (١٨٣٥).
(٢) انظر ترجمة السائب في الطبقات الكبرى ٤/ ٤٠١، ٤٠٢، وسير أعلام النبلاء ١/ ١٦٣، ١٦٤.
(٣) انظر شرح الزركشي ٥/ ١٠٠.
(٤) والظاهر من حال ابنه عثمان بن مظعون رضي الله عنه أنها كانت مميزة. انظر شرح الزركشي ٥/ ١٠٠.
(٥) رواه أبو داود في الوصايا باب متى ينقطع اليتم ٣/ ١١٥، رقم (٢٨٧٣)، وعبد الرزاق (كما في تفسير ابن كثير ١/ ٢٩٨)، والطحاوي في مشكل الآثار ١/ ٢٨٠، والطبراني في الصغير ص ٩٦، والخطيب في تاريخ بغداد ٥/ ٢٩٩ من طرق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال الهيثمي ٤/ ٣٣٤: " رواه الطبراني في الصغير، ورجاله ثقات "، وقال النووي في رياض الصالحين ص ٥٦٩ " رواه أبو داود بإسناد حسن " وقال الحافظ في التلخيص ٣/ ١٠١: أعله العقيلي وعبد الحق وابن القطان والمنذر وغيرهم، وحسنه النووي متمسكا بسكوت أبي داود عليه ". ورواه عبد الرزاق في الطلاق باب لا رضاع بعد الفطام ٧/ ٤٦٤، وأبو داود الطيالسي ص ٢٤٣ رقم (١٧٦٧)، والبيهقي في الخلع والطلاق باب الطلاق قبل النكاح ٧/ ٣٢٠، وابن عدي في الكامل ٢/ ٨٥٣ من طريقين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. وأعل الشيخ محمد ناصر الدين في الإرواء ٥/ ٨٠ - ٨٣ جميع طرق حديث علي، حيث ذكر أن في إحدى طرقه متروكا وفي الأخرى رجلان لا يعرفان، وفي الثالثة مجهول، وأعل طريقي حديث جابر بأن في إحداهما متروكين وفي الأخرى رجل ضعيف، وقوى هذه الطرق برواية الحديث عن ابن عباس موقوفا عليه. وروى هذا الحديث الطبراني في الكبير ٤/ ١٤، رقم (٣٥٠٢) عن محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ثنا سلم بن قتيبة حدثنا ذيال بن عبيد سمعت جدي حنظلة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يتم بعد احتلام، ولا يتم على جارية إذا هي حاضت "، وإسناده حسن، رجاله ثقات، عدا سلم بن قتيبة، وهو صدوق، كما في التقريب ١/ ٣١٤، وعدا ذيال بن عبيد، وهو أيضا صدوق كما في التقريب ١/ ٢٣٩، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ٤/ ٢٢٦: " رجاله ثقات "، وقال الحافظ في التلخيص: " إسناده لا بأس به ".