للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وربما أراد القيام فيعرض له ما يمنعه منه إلى غير ذلك فبطل ما ذكرتموه، وصح أن فعله خلق لغيره يجري على حسب مشيئة الخالق تعالى، وإنما يظهر كسبه لذلك الفعل بعد تقدم المشيئة والخلق من الخالق (١).

ثانيا: أن وقوع الكسب من الخلق على حساب القصد منهم، لا يدل على أنه خلق لهم. . . ودليل ذلك أن مشي الفرس مثلا، يحصل على قصد الراكب وإرادته من عدو وتقريب. . . ووقوف إلى غير ذلك ولا يقول عاقل: أن الراكب خلق جري الفرس ولا سرعتها ولا غير ذلك من أفعالها، فبطل أن يكون حصول الفعل على قصد الفاعل دليلا على أنه خلقه. ومثل ذلك السفن يحصل سيرها وتوجهها. . على حسب قصد الملاح ولا يدل ذلك على أن الملاح خلق سير السفن ولا توجهها. فان كابروا الحقائق وقالوا: نقول: إن ذلك خلقه الملاح والفارس، فقد خرجوا عن الدين، وسووا بين الخالق والعباد في أن قدرة كل واحد منهما تتعلق بمقدورات، وهذا كفر صراح. وإن قالوا: حركات السفن تقع على حسب قصد الملاح، وليست بخلق له، قلنا: فكذلك أفعال أحدنا تقع - ولا نقول: إنها تقع في كل حال - على حسب قصده، ولا يدل ذلك على أنه خلقها. . . بل الخالق لها هو الله تعالى (٢).

ثالثا: نحن لا نقول: إن العبد مجبور على أفعاله، بل نقول: إن العبد له قدرة ومشيئة لكنها تحت قدرة الله ومشيئته (٣). وإذا كان كذلك، فإن ما يحصل منه من تصرفات قد تقع على حسب قصده لا يمنع أن تكون بهذه القدرة التي أعطاه الله إياها، والتي لا تخرج عن قدرة الله الشاملة. وعلى ذلك فكون العبد يحصل له بعض التصرفات على حسب قصده لا يدل على أنه هو الخالق لأفعاله وعليه فتبطل هذه الشبهة والله أعلم.


(١) الإنصاف ص ١٥٣ (بتصرف).
(٢) الإنصاف ص ١٥٣ - ١٥٤ (بتصرف).
(٣) انظر: الفتاوى جـ ٨، ص ٣٩٣ - ٣٩٤.