للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثانيا: مذهب أهل السنة والجماعة

هو مذهب سلف هذه الأمة وأئمة المسلمين كافة. وليتضح نضع أمامنا بعض النصوص من أقوال أئمة المسلمين، لنستنبط منها مذهب أهل السنة في هذه المسألة.

يقول ابن تيمية رحمه الله - وهو يتكلم عن وسطية أهل السنة بين الفرق - ". . . وهم في باب خلق الله وأمره وسط بين المكذبين بقدرة الله الذين لا يؤمنون بقدرته الكاملة ومشيئته الشاملة وخلقه لكل شيء وبين المفسدين لدين الله الذين يجعلون العبد ليس له مشيئة ولا قدرة ولا عمل، فيعطلون الأمر والنهي والثواب والعقاب فيصيرون بمنزلة المشركين الذين قالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} (١) الآية فيؤمن أهل السنة بأن الله على كل شيء قدير يقدر أن يهدي العباد ويقلب قلوبهم وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يكون في ملكه ما لا يريد ولا يعجز عن إنفاذ مراده وأنه خالق كل شيء من الأعيان والصفات والحركات، ويؤمنون أن العبد له قدرة ومشيئة وعمل وأنه مختار ولا يسمونه مجبورا إذ المجبور من أكره على خلاف اختياره، والله سبحانه جعل العبد مختارا لما يفعله فهو مختار مريد، والله خالقه وخالق اختياره وهذا ليس له نظير، فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله " (٢).

ويقول في موضع آخر: " ومما ينبغي أن يعلم أن مذهب سلف الأمة مع قولهم الله خالق كل شيء وربه ومليكه وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وأنه على كل شي قدير وأنه هو الذي خلق العبد هلوعا. . . ونحو ذلك، أن العبد فاعل حقيقة وله مشيئة وقدرة. قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} (٣) {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (٤) (٥) ".


(١) سورة الأنعام الآية ١٤٨
(٢) انظر: الفتاوى جـ٣، ص ٣٧٣ - ٣٧٤.
(٣) سورة التكوير الآية ٢٨
(٤) سورة التكوير الآية ٢٩
(٥) الفتاوى جـ ٨، ص ١١٧ - ١١٨.