للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما فيها حق أو باطل؟ وقد أرسل السائل القصيدة مع استفتائه؛ لإفتائه عما فيها.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه. وبعد:

ج - إن القصيدة التي أرسلها المستفتي ليعرف ما فيها هل هو حق أو باطل، تدل على أن قائلها جاهل يدعي لنفسه دعاوى كلها كفر وضلال. فيدعي أن كل علوم العلماء مستقاة من علمه، وفروع له، وأن سلوك العباد إنما هو بما فرضه وسنه لهم، وأنه يقدر على إغلاق الجحيم بعظمته، لولا سابق عهد من الرسول، وأنه يغيث من وفى له من المريدين، وينجيه من البلايا، ويحييه في الدنيا والآخرة، ويؤمنه من المخاوف، ويحضر معه الميزان يوم القيامة.

فهذه الدعاوى الكاذبة لا تصدر إلا من جاهل لا يعرف قدر نفسه، فإن كمال العلم لله وحده، وإن شئون الآخرة ومقاليد الأمور إلى الله وحده، لا إلى ملك مقرب، ولا إلى نبي مرسل، ولا لصالح ما من الصالحين، وقد أمر الله رسوله وهو خير خلقه أن يتلو على الأمة قوله تعالى {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (١) وقوله تعالى: {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} (٢) {قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} (٣).

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم ألصق الناس به، وأقربهم إليه رحما، وأولاهم بمعروفه أن ينقذوا أنفسهم من عذاب الله، بالإيمان به سبحانه والعمل بشريعته، وأخبرهم أنه لا يغني عنهم من الله شيئا، وأخبر أن آدم ونوحا وإبراهيم وموسى وعيسى، يقول كل منهم يوم القيامة: نفسي. نفسي، فكيف يملك شيخ الطريقة القادرية أو غيره من المخلوقين أن ينجي مريديه، وأن يحمي من وفى له بعهده ويغيثه، ويحضر معه عند وزن أعماله يوم القيامة؟! وكيف يملك أن يغلق أبواب الجحيم بعظمته؟ إن هذا لهو البهتان المبين، والكفر


(١) سورة الأعراف الآية ١٨٨
(٢) سورة الجن الآية ٢١
(٣) سورة الجن الآية ٢٢