للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الهامشية الكبيرة دون تأثير على أصل المفهوم الأساسي للفكرة، ولكن من غير الممكن مهاجمة نقطة في الدائرة المركزية دون تدمير للبناء؛ ولذا كان استبعاد الفائدة البنكية، وهي واقعة في المنطقة المركزية للدائرة غير ممكن دون مساس، بل إخلال بالمفهوم الكلي للفظة الربا، وفي السطور الآتية زيادة إيضاح.

روى الإمام البخاري في صحيحه، «عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجر، أهو من البيت (الكعبة)؟ فقال: نعم، فقالت: لماذا أخرجوه؟ فقال: إن قومك قصرت بهم النفقة (١)» أي أن قريشا حين هدمت الكعبة وأعادت بناءها قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنوات تقريبا عجزت عن توفير المال الكافي لإعادة البناء على قواعده الأصلية، فصغرت مساحته، وأخرج من البناء الجديد حجر إسماعيل.

وإذا عرفنا أن مكة كانت من أكثر المدن العربية ثراء، وقد وصف الله بعض أهلها بأنه جعل له مالا ممدودا، ولم تكن إعادة البناء تحتاج لنفقة كبيرة إذا كانت مواد البناء متوفرة، فقد جاء في الأخبار أن مما حمل قريشا على إعادة البناء انتهاز فرصة أن البحر قذف على ساحل جدة بحطام سفينة، فكانت الأحجار والأخشاب اللازمة للبناء موجودة. إذا عرفنا هذا يأتي السؤال: لماذا عجزت قريش عن توفير النفقة القليلة للبناء؟

وجواب السؤال فيما أورده العلامة ابن كثير عند تفسير آية {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} (٢): فروى أن قريشا تواصوا بأن لا يدخل في النفقة على بناء الكعبة من كسبهم إلا ما كان طيبا، فلا يدخل في النفقة مهر بغي، ولا مظلمة، ولا بيع ربا.

وبحكم طبائع الأشياء فإن مهور البغايا لا يمكن أن تمثل جزءا مهما من أموال القرشيين، وكذلك أموال المظالم لا سيما بعد استحضار حادثة حلف الفضول؛ ولذا فإن العامل المهم في تلويث أموال القرشيين بحيث لم يمكن استخلاص جزء نظيف كاف منها يصلح للدخول في نفقة بناء الكعبة هو


(١) صحيح البخاري كتاب الحج (١٥٨٤)، صحيح مسلم الحج (١٣٣٣)، سنن أبو داود المناسك (٢٠٢٨).
(٢) سورة البقرة الآية ١٢٧