للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دفع شبه القول بمنافاتها للقياس]

لقد تكلم بعض أهل العلم في الشفعة من حيث زعم بعضهم منافاتها لبعض الأصول والمبادئ الشرعية فقال السرخسي: وزعم بعض أصحابنا - رحمهم الله - أن القياس يأبى ثبوت حق الشفعة لأنه يتملك على المشتري ملكا صحيحا له بغير رضاه وذلك لا يجوز فإنه من نوع الأكل بالباطل وتأيد هذا بقوله - صلى الله عليه وسلم - «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه (١)» ولأنه بالأخذ يدفع الضرر عن نفسه على وجه يلحق الضرر بالمشتري في إبطال ملكه عليه، وليس لأحد أن يدفع الضرر عن نفسه بالإضرار بغيره. اه (٢).

وأورد ابن القيم - رحمه الله - شبهة لنفاة الحكم والتعليل والقياس فقال: وحرم أخذ مال الغير إلا بطيب نفس منه ثم سلطه على أخذ عقاره وأرضه بالشفعة. وقد رد - رحمه الله - على هذه الشبهة وعلى دعوى منافاة مشروعية الشفعة لأصول الشريعة ومبادئها فقال: من محاسن الشريعة وعدلها وقيامها بمصالح العباد ورودها بالشفعة ولا يليق به غير ذلك فإن حكمة الشارع اقتضت رفع الضرر عن المكلفين ما أمكن فإن لم يكن رفعه إلا بضرر أعظم منه بقاه على حاله، وإن أمكن رفعه بالتزام ضرر دونه رفعه به.

ولما كانت الشركة منشأ الضرر في الغالب فإن الخلطاء يكثر فيهم بغي بعضهم على بعض: شرع الله سبحانه رفع هذا الضرر بالقسمة تارة وانفراد كل من الشريكين بنصيبه، وبالشفعة تارة وانفراد أحد الشريكين بالجملة إذا لم يكن على الآخر ضرر في ذلك فإن أراد بيع نصيبه وأخذ عوضه كان شريكه أحق به من الأجنبي وهو يصل إلى غرضه من العوض من أيهما كان، فكان الشريك أحق بدفع العوض من الأجنبي ويزول عنه ضرر الشركة ولا يتضرر البائع لأنه يصل إلى حقه من الثمن، وكان هذا من أعظم العدل وأحسن الأحكام المطابقة للعقول والفطر ومصالح العباد. اهـ (٣)


(١) مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٧٣).
(٢) المبسوط ج١٤ ص٩٠.
(٣) أعلام الموقعين ج٢ ص١١١.