للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله- قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي (١)»، وقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم فتفرقت الأمة في أواخر عصر الصحابة، ولكن هذا التفرق لم يؤثر كثيرا في كيان الأمة، طيلة عصر القرون المفضلة التي أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم (٢)»، قال الراوي: لا أدري ذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة. وذلك لوفرة العلماء من المحدثين والمفسرين والفقهاء، بما فيهم علماء التابعين وأتباع التابعين والأئمة الأربعة وتلاميذهم، ولقوة دولة الإسلام في تلك القرون، فكانت الفرق المخالفة تجد الجزاء الرادع بالحجة والقوة.

وبعد انقضاء عصر القرون المفضلة، اختلط المسلمون بغيرهم من أصحاب الديانات المخالفة، وعربت علوم أهل الملل الكافرة، واتخذ ملوك الإسلام بعض البطانات من أهل الكفر والضلال، فصار منهم الوزراء والمستشارون، فاشتد الخلاف وتعددت الفرق والنحل، ونجحت المذاهب الباطلة، ولا يزال ذلك مستمرا إلى وقتنا هذا، وإلى ما شاء الله.

ولكن بحمد الله بقيت الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة متمسكة بالإسلام الصحيح، تسير عليه وتدعو إليه، ولا تزال ولن تزال بحمد الله؛ مصداقا لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من بقاء هذه الفرقة واستمرارها وصمودها، وذلك فضل من الله سبحانه، من أجل بقاء هذا الدين وإقامة الحجة على المعاندين.

إن هذه الطائفة المباركة تمثل ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم، في القول والعمل والاعتقاد، كما قال صلى الله عليه وسلم: «هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي (٣)»، إنهم بقية صالحة من الذين قال الله فيهم: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ} (٤).


(١) سنن الترمذي الإيمان (٢٦٤٠)، سنن أبو داود السنة (٤٥٩٦)، سنن ابن ماجه الفتن (٣٩٩١)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٣٣٢).
(٢) صحيح البخاري الشهادات (٢٦٥١)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (٢٥٣٥)، سنن النسائي الأيمان والنذور (٣٨٠٩)، سنن أبو داود السنة (٤٦٥٧)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٤٢٧).
(٣) سنن الترمذي الإيمان (٢٦٤١).
(٤) سورة هود الآية ١١٦