للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكون اسما لأنه لا يتنكر، والبر قد يتنكر، والفعل أقوى في التعريف، وقرأ الباقون (البر) بالرفع، على أنه اسم ليس، وخبره (أن تولوا)، تقديره: ليس البر توليتكم وجوهكم، وعلى الأول ليس توليتكم وجوهكم البر؛ كقوله: " ما كان حجتهم إلا أن قالوا ": ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا "، ما كان عاقبتهما أنهما في النار "، وما كان مثله، ويقوى قراءة الرفع أن الثاني معه الباء إجماعا في قوله: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} (١) ولا يجوز فيه إلا الرفع فحمل الأول على الثاني أولى من مخالفته له.

وكذلك هو في مصحف أبي بالبا: ليس البر بأن تولوا، وكذلك في مصحف ابن مسعود أيضا، وبعد هذا التوجيه وتقويته لقراءة الرفع، ينهي كلامه فيهما بأنهما قراءتان حسنتان (٢).

وفي قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (٣) (ننسأها) فتح النون والسين مع الهمزة، عند ابن كثير وأبي عمرو، وقرأ الباقون (ننسها). والمعنى على القراءة الأولى (ننسأها) نؤخرها، تقول العرب: نسأت الإبل عن الحوض، وأنسأ الإبل عن ظمئها، يوما أو يومين أو أكثر، أخرها عن الورد. وتقول: أنسأ الله في أجلك أي أخر فيه، والمعنى أو نؤخر إنزالها إلى الوقت هو أولى بها وأصلح للناس.

والمعنى، على القراءة الثانية (ننسها)، من الترك أي نأمر بترك حكمها أو تلاوتها، أو نمحها لفظا وحكما، ومنه قول الله تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} (٤)؛ أي تركوا عبادته، فتركهم في العذاب.

والإمام القرطبي، بعد عرضه للقراءات في الآية السابقة، وأدلة كل طرف وحجته، يقوم بتوجيهها على المعاني التي ضمنتها، ثم يذكر اختيار العلماء والراجح منا مع ذكر أدلتهم.

يقول في ذلك: وقرأ الباقون (ننسها)، بضم النون، من النسيان الذي بمعنى


(١) سورة البقرة الآية ١٨٩
(٢) الجامع لأحكام القرآن ١/ ٢٣٨
(٣) سورة البقرة الآية ١٠٦
(٤) سورة التوبة الآية ٦٧