للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بقوله: النصب على المدح، إنما يكون بعد تمام الكلام، وهاهنا لم يتم الكلام؛ لأن قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} (١) منتظر للخبر، والخبر هو قوله: {أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا} (٢).

فأجاب الإمام الرازي على ذلك: " لا نسلم أن الكلام لم يتم إلا عند قوله (أولئك) لأنا بينا أن الخبر هو قوله (يؤمنون)، وأيضا لم لا يجوز الاعتراض بالمدح بين الاسم والخبر، وما الدليل على امتناعه؟ فهذا القول هو المعتمد في هذه الآية "، والتوجيه الثالث لقراءة والمقيمين هو للكسائي: وهو أن المقيمين خفض بالعطف، على (ما) في قوله: {بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} (٣) والمعنى: " والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك، وما أنزل من قبلك، وبالمقيمين الصلاة "، ثم عطف على قوله المؤمنون قوله: {وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} (٤) (٥).

من الأمثلة السالفة الذكر يظهر لنا موقف الإمام الرازي من القراءات المتواترة، وكيف دافع عنها ورد الطعون الواردة عليها بجميع ما أوتي من علم ومعرفة، وليته استمر على هذا النهج، فقد وجدناه يقف صامتا عند الطعن في قراءة متواترة.

ففي قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} (٦).

يقول: قرأ ابن عامر وحده (زين) بضم الزاي وكسر الياء، وضم اللام من (قتل)، و (أولادهم) بنصب الدال، (شركائهم) بالخفض، والباقون (زين) بفتح الزاي والياء، (قتل) بفتح اللام، (أولادهم) بالجر، (شركائهم) بالرفع، أما وجه قراءة ابن عامر فالتقدير: زين لكثير من المشركين قتل شركائهم أولادهم، إلا أنه فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول به، وهو الأولاد، وهو مكروه في الشعر، كما في قوله:

فزججتها بمزجة ... زج القلوص أبي مراده


(١) سورة آل عمران الآية ٧
(٢) سورة النساء الآية ١٦٢
(٣) سورة النساء الآية ١٦٢
(٤) سورة النساء الآية ١٦٢
(٥) مفاتيح الغيب ج١١/ ١٠٨.
(٦) سورة الأنعام الآية ١٣٧