للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا كان السلوك والأخلاق أسلوبا عاما يخاطب به الكافة الكافة فهو أسلوب أخص وألزم لمن اتخذ الدعوة مهنة له ومهمة، وبغيره يغدو كل أسلوب آخر سيفا مغلولا وسلاحا مغمدا لا قيمة له.

ولذا فننصح الدعاة أن يكون لهم من الفهم الدقيق والإيمان العميق، والخلق الوثيق ما يفتحون به القلوب:

المواقف والمثل:

لعل هذه تدخل في الأولى لكنها أخص فلا يستطيعها إلا أولو العزم، ونحن نندب الدعاة أن يأخذوا دائما بالعزيمة فليس لمن كان في موضع القدوة أن يترخص ولذلك لم يترخص الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين اشتد به أذى الكفار ودعاه عمه أن يلين لكنه قال: والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه (١).

ولم يترخص عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - ويتبع نهج ملوك بني أمية ويسير في ركابهم وإنما أعرض عن بهجة الحياة الدنيا وزخرفها وعاد بالأمة إلى عهد الخلفاء الراشدين وصدق عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها فكان - رضي الله عنه - هو المجدد الأول.

ولم يترخص الإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - حين دعاه الحكام أن يقول إن القرآن مخلوق بل احتمل الأذى والعذاب.

وهكذا فإن على الداعية أن يقتدي بهؤلاء وغيرهم من المصلحين والمجددين والعلماء العاملين أمثال العز بن عبد السلام وشيخ الإسلام أحمد بن تيمية وإمام الدعوة محمد بن عبد الوهاب وسيد قطب ممن تحملوا العذاب في سبيل الحق لأنهم علموا أن ثباتهم يبقيهم مشاعل على الطريق تضيء لمن خلفهم وهم كثير، وأن لينهم مع الباطل وترخصهم يطفئ ضوءهم


(١) سيرة ابن هشام ١/ ٢٧٨ مراجعة محمد محيى الدين.