للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأخريات سواء في الملبس أو المسكن أو الطعام أو المبيت. أما العدل في المحبة والعاطفة والمشاعر، وهو المشار إليه في الآية الثانية، فهذا شيء لا يملكه الإنسان، فالقلوب ليست ملكا لأصحابها، وإنما هي بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء (١). وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الناس معرفة بدينه وبمشاعره وأحاسيسه القلبية وأشد الناس حرصا على تحقيق العدل بين زوجاته، كان يقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك (٢)» وذلك بعد أن عدل بين زوجاته في كل شيء ما عدا العاطفة فإن قلبه صلى الله عليه وسلم كان يميل أكثر إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. وفي حالة حب الزوج لإحدى زوجاته لجمالها أو لخلقها وتعلقه بها أكثر من زوجاته الأخريات فإن الله سبحانه وتعالى قد نهاه وحذره من أن يميل نهائيا أو يشتط في الميل إلى التي تعلق بها قلبه الأمر الذي يؤدي إلى ترك الزوجة الأخرى أو الزوجات الأخريات معلقات فلا هن متزوجات لعدم حصولهن على حقوقهن كزوجات ولا هن مطلقات فيستطعن الزواج وذلك لأنهن مرتبطات بعلاقة زوجية، ويظهر هذا النهي عن الاشتطاط في الميل في قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} (٣) وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: إن العدل المشار إليه في هذه الآية هو العدل في الحب والجماع (٤).

وإذا أقدم المسلم على التعدد وهو على يقين بعدم قدرته على العدل بين زوجاته في الأشياء المادية، وهي المعاملة والمأكل والمشرب والملبس والمسكن والمبيت، فهو آثم عند الله سبحانه وتعالى، وكان من الواجب عليه ألا يتزوج بأكثر من واحدة.


(١) سيد قطب: في ظلال القرآن جـ ١ص ٥٨٢.
(٢) سنن أبي داود، جـ ١ص ٣٣٣، سنن الترمذي، جـ ٣ ص ٣٠٤، ابن حجر: فتح الباري، جـ ٩ ص٣١٣.
(٣) سورة النساء الآية ١٢٩
(٤) ابن حجر: فتح الباري جـ ٩ ص ٣١٣.