للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويمكن أن يجاب عن هذا الدليل بأن ما ذكروه من عدم النقل غير مسلم، فقد نقل فعل هذا السجود عن النبي صلى الله عليه وسلم (١)، وعن-جماعة من أصحابه (٢) فثبت بذلك ظهوره واشتهاره، وبطل ما قالوه (٣)، وكون بعض العلماء لم يطلع على ذلك لا يدل على عدم وروده، قال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى بعد ذكره لخلاف الإمامين أبي حنيفة ومالك قال: " وإنكار ورود سجود الشكر عن النبي صلى الله عليه وسلم من مثل هذين الإمامين مع وروده عنه صلى الله عليه وسلم من هذه الطرق التي ذكرها المصنف وذكرناها من الغرائب " (٤).

الدليل الثالث: استدل بعض المالكية لهذا القول بأن سجود الشكر لم يكن من عمل أهل المدينة، فدل ذلك على أنه غير مشروع.

ويمكن أن يجاب عن ذلك بعدم التسليم بأنه ليس من عمل أهل المدينة، فقد ورد هذا السجود عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهم وهم من أكابر أهل المدينة رضي الله عنهم أجمعين، ثم لو سلم أنه لم يكن من عمل أهل المدينة فإن الصحيح أن عملهم ليس حجة، وإنما الحجة إجماع المسلمين (٥).

الدليل الرابع: قال بعضهم: إن ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من السجود للشكر منسوخ (٦).

ويمكن أن يجاب عن هذا الدليل بأن النسخ لا يثبت إلا بدليل، وهو غير موجود، وأيضا فإن بعض الصحابة رضي الله عنهم قد فعلوا هذا السجود


(١) وسيأتي ذكر ما نقل عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك قريبا عند ذكر أدلة القول الأول.
(٢) سبق ذكر ما نقل عن بعض الصحابة رضي الله عنهم في ذلك.
(٣) المغني ٢/ ٣٧٢.
(٤) نيل الأوطار ٣/ ١٢٩.
(٥) الأحكام لابن حزم ٤/ ٢٠٢، التمهيد لأبي الخطاب ٣/ ٢٧٣، المستصفى ١/ ١٨٧، فواتح الرحموت ٢/ ٢٣٢.
(٦) مراقي الفلاح (مطبوع مع حاشيته للطحطاوي ص ٣٢٣).