للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعلم علما ضروريا أن من قدر على هذه قدر على هذا، وأنه لو كان عاجزا عن الثانية عجز عن الأولى بل كان أعجز وأعجز، ولما كان الخلق يستلزم قدرة الخالق على مخلوقه وعلمه بتفاصيل خلقه اتبع ذلك بقوله: {وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} (١) فهو عليم بالخلق الأول وتفاصيله ومواده وصورته وكذلك عليم بالخلق الثاني، فإذا كان تام العلم كامل القدرة، كيف يتعذر عليه أن يحصي العظام وهي رميم (٢) وإلى نفس هذا المعنى يشير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (٣).

وقد قال ابن عباس في تفسيره لهذه الآية: أهون عليه بمعنى أيسر عليه، وقال مجاهد: الإعادة أهون عليه من البداءة، والبداءة عليه هينة، وروى البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «قال الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك- فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا، وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفوا أحد (٤)» ويتفق مع هذه المعاني قوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} (٥).

وهكذا نرى أن حياتنا التي نعيشها اليوم دليل قوي على إمكانية وجود الحياة مرة ثانية وليس هناك في منطق العقل ما يمنع إعادة التجربة التي نمر بها أو ما يشبهها مرة ثانية.

٢ - ومن الأدلة على إمكانية البعث ما أشار إليه القرآن من ظاهرة النوم واليقظة باعتبارهما نموذجا متكررا للموت والحياة، فالنوم أخو الموت إذ أن كلا منهما عبارة عن انسحاب من الحياة أو توقف الأعضاء عن أداء


(١) سورة يس الآية ٧٩
(٢) مختصر الصواعق المرسلة " ابن القيم " جـ١. ص: ١٠١.
(٣) سورة الروم الآية ٢٧
(٤) صحيح البخاري: كتاب تفسير القرآن. سورة قل هو الله أحد. جـ٦. ص ٩٥.
(٥) سورة الأنبياء الآية ١٠٤