للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بمادة "فلق " و "فرق " فهما بمعنى. وقوله -عز وجل-: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} (١) هذا عام يتناول كل ما سوى الله -عز وجل-، لأنه خلقه. قوله -عز وجل-: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} (٢) إلى آخر السورة هو من باب عطف الخاص على العام، لأن (الغاسق) و (النفاثات) و (الحاسد) من جملة ما خلق الله -عز وجل-. وإنما اختصت هذه بالذكر بعد العموم لأن متعلقاتها مهمة جدا، وذلك لأن قوام الإنسان ببدنه وعقله ودينه وباقي نعم الله -عز وجل- عليه. والغاسق إذا وقب: قيل: هو الثعبان إذا وثب وضرب، وهو يفسد البدن. والنفاثات: السحارات، والسحر مفسد للعقل، لأن الإنسان إذا سحر غلب خياله على عقله فعاد يخيل له ما لا وجود له في الخارج، وهو مفسد للبدن أيضا، ولذلك وجب القود بالقتل به عند جماعة من أهل العلم (٣) والحاسد يفسد النعمة بالسعي في زوالها ببدنه ونفسه. ومن جملة النعمة الدين الحق، وقد يسعى الإنسان في إفساد الدين حسدا، كما حكى الله -عز وجل- عن أهل الكتاب أنهم كانوا يفعلون ذلك حسدا بالمسلمين، حتى قال -عز وجل-: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} (٤) {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ} (٥) الآية. وإن قيل: إن الغاسق هو القمر، فإن له- فيما يقال- تأثيرا في الأجسام الأرضية. كتقطيع الثياب الكتان، وتمديد الزروع، ودوران المد والجزر معه في بعض البحار، فلعل له تأثيرات أخرى فيها شرور.

وإن قيل: إن الغاسق هو الفرج - على ما قيل- فشره ظاهر، وأكثر شرور العالم من جهته.

وإن قيل: هو الليل، فإن الشر فيه ظاهر مزعج. وأما ظهوره فلانتشار


(١) سورة الفلق الآية ٢
(٢) سورة الفلق الآية ٣
(٣) ينظر تفسير القرطبي ٢/ ٤٧، وفتح الباري ١٠/ ٢٢٤.
(٤) سورة البقرة الآية ١٠٩
(٥) سورة آل عمران الآية ٦٩