للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يستطيع أن يحدد مرادي بلفظي، الأسد والرأس، إذا لم يسمع مني بقية كلامي، بحيث يربط كل عبارة بالسابق واللاحق من ذلك الكلام؟

(ج) إن المتكلم إذا اعتاد أن يعبر بلفظ ما، عن معنى معين مخصوص، صار اعتياده هذا قرينة دالة على إرادته لذلك المعنى، وكذا لو أن أهل بلد أو عصر، اعتادوا إرادة معنى معين، باستخدام لفظ مخصوص له، دون غيره كان عرفهم هذا وما اعتادوه قرينة تكشف عن المعنى المقصود، وهكذا فإن أعراف المتكلم أو المتكلمين في خطابهم قرائن دالة على مرادات ألفاظهم، وبذا لا يكون اللفظ مجردا - إذا أطلق - حيث أضيف إليه عرف المتكلم في استخدامه لهذا اللفظ وعادته بخطابه.

(د) وإذا لم يكن هناك لفظ مجرد من جميع القرائن التجريد الكامل، فإن الذي يسبق إلى فهم المستمع في كل موضع استخدم فيه اللفظ، ما دل عليه دليل في ذلك الموضع.

فأنت إذا قلت: (أشكو من ألم في ظهري) وقلت: (كسر فلان ظهري بعناده) وقلت: (ركبت ظهر الطريق). سبق إلى فهم كل سامع أنك تريد الظهر الذي في الإنسان في العبارة الأولى، وفي الثانية أنه أتعبك، وفي الثالثة أنك علوته مسافرا، وهذا غير قولك: (سافرت بلا ظهر) وقولك: (أنا خفيف الظهر)، فإن الذي يسبق إلى أذهاننا من الأولى أنك بلا ركاب تحمل متاعك، ومن الثانية أنك قليل العيال.

فما دام أنه لا بد لكل لفظ من الارتباط بقرينة أو قيد - أيا كانت هذه القرينة أو هذا القيد - وأن الذي يتبادر إلى الذهن منه ما دل عليه من خلال هذه القرينة أو القيد، فقد تبين فساد معيارهم هذا.