للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالاتفاق، فكذلك إذا عدم العلم به إعداما مستقرا، وإذا عجز عن الإيصال إليه إعجازا مستقرا. فالإعدام ظاهر والإعجاز مثل الأموال التي قبضها الملوك - كالمكوس وغيرها - من أصحابها، وقد تيقن أنه لا يمكننا إعادتها إلى أصحابها، فإنفاقها في مصالح أصحابها من الجهاد عنهم أولى من بقائها بأيدي الظلمة يأكلونها، وإذا أنفقت كانت لمن يأخذها بالحق مباحة، كما أنها على من يأكلها بالباطل محرمة.

والدليل الثاني " القياس ": مع ما ذكرناه من السنة والإجماع أن هذه الأموال لا تخلو إما أن تحبس، وإما أن تتلف، وإما أن تنفق.

فأما إتلافها فإفساد لها {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} (١) وهو إضاعة لها والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عن إضاعة المال، وإن كان في مذهب أحمد ومالك تجويز العقوبات المالية: تارة بالأخذ، وتارة بالإتلاف، كما يقوله أحمد في متاع الغال، وكما يقوله أحمد ومن يقوله من المالكية في أوعية الخمر ومحل الخمار، وغير ذلك.

فإن العقوبة بإتلاف بعض الأموال أحيانا، كالعقوبة بإتلاف بعض النفوس أحيانا، وهذا يجوز إذا كان فيه من التنكيل على الجريمة من المصلحة ما شرع له ذلك، كما في إتلاف النفس والطرف، وكما أن قتل النفس يحرم إلا بنفس أو فساد، كما قال تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ} (٢).

وقالت الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} (٣)، فكذلك إتلاف المال إنما يباح قصاصا أو لإفساد مالكه، كما أبحنا من إتلاف البناء والغراس لأهل الحرب مثل ما يفعلون بنا بغير خلاف، وجوزنا لإفساد مالكه ما جوزنا.


(١) سورة البقرة الآية ٢٠٥
(٢) سورة المائدة الآية ٣٢
(٣) سورة البقرة الآية ٣٠