للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال سبحانه في سورة الفاتحة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (١)، إلى غير ذلك من الآيات الدالات على أنه سبحانه خلق الخلق ليعبدوه وحده، وأمرهم بذلك، وأرسل الرسل لهذا الأمر ليدعوا إليه، وليوضحوه للناس.

فوجب على أهل العلم خلفاء الرسل أن يبينوا للناس هذا الأمر العظيم، وأن يكون أعظم المطلوب، وأن تكون العناية به أعظم عناية؛ لأنه متى سلم صار ما بعده تابعا له، ومتى لم يوجد التوحيد لم ينفع المكلف ما حصل من أعمال وأقوال، قال الله تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (٢)، وقال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} (٣)، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (٤)، في آيات كثيرات.

ويؤيد هذا المعنى أنه -عليه الصلاة والسلام- مكث بمكة عشر سنين يدعو الناس إلى توحيد الله، قبل أن تفرض عليه الصلاة وغيرها، كلها دعوة إلى توحيد الله، وترك الشرك وخلع الأوثان، وبيان أن الواجب على جميع الثقلين أن يعبدوا الله وحده، ويدعوا ما عليه آباؤهم وأسلافهم من الشرك.

ولهذا سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان بن حرب في أيام الهدنة، وكان أبو سفيان في وفد من قريش في تجارة بفلسطين، وصادف مجيء هرقل إلى القدس، فقيل له عنهم، فأمر بإحضارهم لسؤالهم عما يعلمون عن هذا النبي


(١) سورة الفاتحة الآية ٥
(٢) سورة الأنعام الآية ٨٨
(٣) سورة الفرقان الآية ٢٣
(٤) سورة الزمر الآية ٦٥