للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صفاته الثابتة بنص القرآن والسنة، ومجيئه لفصل القضاء لا شك فيه ولا يغالط فيه أو ينكره إلا من عميت بصيرته وتردى حاله، وحاد عن نهج الله القويم وصراطه المستقيم.

قال ابن كثير: " {وَجَاءَ رَبُّكَ} (١) يعني لفصل القضاء بين خلقه وذلك ما يستشفعون إليه بسيد ولد آدم على الإطلاق محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد ما يسألون أولي العزم من الرسل واحدا بعد واحد، فكلهم يقول: لست بصاحب ذاكم حتى تنتهي النوبة إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فيقول: «أنا لها، أنا لها (٢)» فيذهب فيشفع عند الله تعالى في أن يأتي لفصل القضاء، فيشفعه الله تعالى في ذلك، وهي أول الشفاعات، وهي المقام المحمود، كما تقدم بيانه في سورة (سبحان) فيجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء كما يشاء، والملائكة يجيئون صفوفا صفوفا " (٣).

قال ابن جرير - رحمه الله - بعد أن ذكر الأقوال في معنى الإتيان: فمعنى الكلام إذن: " هل ينظر التاركون الدخول في السلم كافة، والمتبعون خطوات الشيطان إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام فيقضي في أمرهم ما هو قاض " (٤). إذن فالرب سبحانه وتعالى يأتي - إتيانا يليق بجلاله وعظمته - إلى أرض المحشر، ومعه ملائكته الكرام صفوفا لفصل القضاء «يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه (٥)» فيحكم سبحانه بين عباده حكما عدلا يظلم فيه أحدا مثقال ذرة إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ويكون الأمر له مثلما كان أولا يكون آخرا. ففي الدنيا كانت تجري الأحكام من


(١) سورة الفجر الآية ٢٢
(٢) صحيح البخاري التوحيد (٧٥١٠)، صحيح مسلم الإيمان (١٩٣)، سنن ابن ماجه الزهد (٤٣١٢)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ١١٦)، سنن الدارمي المقدمة (٥٢).
(٣) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٤/ ٨٠٦.
(٤) جامع البيان عن تأويل آي القرآن ٢/ ٣٣٠ المطبعة الحلبية بمصر.
(٥) رواه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، حديث ٢٥٧٧.