للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشبهة الرابعة:

قوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (١).

وجه الاستدلال: قالوا الآية تدل على أن كل محسن رحمة الله قريبة منه، ومرتكب الكبيرة قد قال لا إله إلا الله فهو محسن، وإذا كان محسنا فرحمة الله قريبة منه، ومن رحمه الله فلا يعذب (٢).

الجواب: نقول استدلالكم باطل لما يلي:

(أ) أن الآية تدل على أن رحمة الله قريب من عباده المحسنين، لكنها لا تفسر بمنع العذاب في النار لمن أخطأ منهم؛ لأن عذاب الله للمخطئ عدل، والعدل لا يضاد الرحمة.

(ب) أنه لولا رحمة الله لهؤلاء المخطئين لطال عذابهم، ولكن رحمته كانت السبب في التجاوز عن كثير من خطاياهم وإدخالهم الجنة؛ لما روى أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليصيبن أقواما سفع من النار بذنوب أصابوها عقوبة، ثم يدخلهم الله الجنة بفضل رحمته، يقال لهم الجهنميون (٣)» وبذلك اتضح أن الله عذب الفساق بعدله، وتجاوز عن كثير من خطاياهم برحمته. ولم يستلزم العدل انتفاء الرحمة، ولا الرحمة انتفاء العذاب بعدله سبحانه.

(ج) على التسليم بما تزعمونه فإن رحمة الله مقيدة بالمشيئة؛ لما روى أبو هريرة


(١) سورة الأعراف الآية ٥٦
(٢) انظر: الفصل جـ ٤ صـ ٤٧.
(٣) رواه البخاري في كتاب التوحيد، باب ما جاء في قوله تعالى: " إن رحمة الله قريب من المحسنين " برقم ٧٤٥٠. انظر: صحيح البخاري (فتح الباري) جـ ١٣ صـ ٤٣٤.