للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بخلقه أن جعل لهم مما خلق ميزانا يرجعون إليه في تعاملهم، ففي المعقولات والمعاني المجردة جعل العقل حاكما وكاشفا للمجهول، وفي المحسوسات جعل الكيل والوزن والعد قاضيين في المقدرات، وربط العقل والكيل والوزن والعد بالشريعة كي لا يضل الإنسان في حياته وينحرف في متاهات الظلام، وعلى هذا فلا يخلو جانب التبادل في حياه البشر من مقياس وهو النقود ومن أهمها الذهب والفضة.

ومع هذا فإن المتتبع لتاريخ النقود لا يسلم بسهولة أن النقدية تنحصر في الذهب والفضة، فقد نقل البلاذري أن عمر - رضي الله عنه - قال: " هممت أن أجعل الدراهم من جلود الإبل، فقيل له إذا لا بعير فامسك " (١). واشتهر قول مالك في المدونة: " ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى يكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع نظرة بالذهب والورق " (٢).

وهذا يعني أن النقدية بصفة عامة أمر اعتباري يضفيه الناس على سلعة معينة حتى يصير تداولها عرفا للمجتمع، وسواء كانت هذه السلعة ذهبا أم غيره من السلع الأخرى، وإن كان الذهب والفضة قد اكتسبا هذه الصفة بما يشبه الإجماع ولكن هذا لا يعني منع التعارف على استعمال غيرهما من النقود.


(١) فتوح البلدان للبلاذري ٥٧٨ تحقيق د. المنجد.
(٢) المدونة ٣/ ٣٩٥.