للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أهل الكتاب ولم يأمر بالكف عنهم إلا إذا أدوا الجزية عن صغار، ولم يقل: حتى يعطوا الجزية أو يكفوا عنا، بل قال: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (١) واكتفى بذلك.

وقال في الآية السابقة آية السيف {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (٢) وقال في آية أخرى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (٣) فدل ذلك على أنه لا يكف عن الكفار إلا إذا تابوا من كفرهم ورجعوا إلى دين الله واستمسكوا بما شرع الله، فهؤلاء هم الذين يكف عنهم ويكون لهم ما لنا وعليهم ما علينا.

لكن أهل الكتاب إذا بذلوا الجزية عن يد وهم صاغرون كففنا عنهم وإن لم يسلموا، أما من سواهم فلا بد من الإسلام أو السيف ويلحق بأهل الكتاب المجوس لما رواه البخاري في صحيحه -رحمه الله- عن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه- «أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر، (٤)» فصار المجوس ملحقين بأهل الكتاب في أخذ الجزية فقط، لا في حل طعامهم ونسائهم.

فهذه الطوائف الثلاث تؤخذ منهم الجزية، هذا محل وفاق بين أهل العلم، فإما أن يسلموا وإما أن يؤدوا الجزية، وإما القتال، وفي آخر الزمان إذا نزل عيسى- عليه الصلاة والسلام- زال هذا الأمر، فأخذ الجزية مؤجل ومؤقت إلى نزول عيسى، فإذا نزل عيسى- عليه الصلاة والسلام- انتهى هذا الشرع، ووجب بعد ذلك إما الإسلام وإما السيف، هكذا يحكم عيسى -عليه السلام- بهذه الشريعة المحمدية، والأحاديث الواردة في ذلك تدل على أن أخذ الجزية مؤقت إلى نزوله عليه الصلاة والسلام وقد أوضح عليه الصلاة والسلام أن أخذ الجزية مؤقت إلى نزول عيسى، فإذا نزل عيسى حكم فيهم بالسيف أو الإسلام وترك الجزية، وذلك


(١) سورة التوبة الآية ٢٩
(٢) سورة التوبة الآية ٥
(٣) سورة التوبة الآية ١١
(٤) صحيح البخاري التوحيد (٧٤٠٥)، صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (٢٦٧٥)، سنن الترمذي الدعوات (٣٦٠٣)، سنن ابن ماجه الأدب (٣٨٢٢)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٢٥١).