للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله عليه الآيات الآمرة بالجهاد مطلقا، وعدم الكف عن أحد حتى يدخل في دين الله، أو يؤدي الجزية إن كان من أهلها كما تقدم.

وهذا هو المعروف في كلام أهل العلم، وقد تقدم ذكر قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الجمع بين النصوص وأنه هو الأقرب ولا نسخ، وإنما تختلف الأحوال بقوة المسلمين وضعفهم، فإذا ضعف المسلمون جاهدوا بحسب حالهم، وإذا عجزوا عن ذلك اكتفوا بالدعوة، وإذا قووا بعض القوة قاتلوا من بدأهم ومن قرب منهم، وكفوا عمن كف عنهم، وإذا قووا وصار لهم السلطان والغلبة، قاتلوا الجميع وجاهدوا الجميع حتى يسلموا، أو يؤدوا الجزية، إلا من لا تؤخذ منهم كالعرب، عند جمع من أهل العلم.

وقد تعلق بعض الكتاب الذين قالوا: إن الجهاد للدفاع فقط، بآيات لا حجة لهم فيها، وقد سبق الجواب عنها، ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله.

ومعلوم أن الدفاع قد أوجبه الله على المسلمين ضد من اعتدى عليهم، كما قال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (١) وكما في الآيات السابقة.

والإسلام جاء بدعوة الكفار أولا إلى الدخول فيه، فإن أبوا فالجزية، فإن أبوا وجب قتالهم مع القدرة كما تقدم في حديث بريدة، وإن رأى ولي الأمر المصالحة وعدم القتال لأسباب تتعلق بمصلحة المسلمين، جاز ذلك؛ لقوله سبحانه {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} (٢) الآية، ولفعله صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة يوم الحديبية.


(١) سورة البقرة الآية ١٩٤
(٢) سورة الأنفال الآية ٦١