للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسألة الثالثة: أكل المضطر لحم آدمي إذا لم يجد شيئا غيره

ثبت بالأدلة الصحيحة أن المسلم ومن في حكمه حرمة، وأنه يجب تكريمه حيا وميتا، ومقتضى ذلك أنه لا يباح للمضطر أن يأكل من جسمه حيا ولا من جثته ميتا، ولو لم يجد غيره، ولو أدى ذلك إلى هلاكه؛ لما في ذلك من انتهاك حرمته لمصلحة غيره، وثبت بالأدلة الصحيحة أيضا أنه يجب على الإنسان أن يحافظ على حياته، حتى إنه يجوز له أن يأكل حال الضرورة ما هو محرم عليه حال عدمها من ميتة الأنعام والدم ولحم الخنزير. . إلخ، بل يجب عليه أن يأكل من ذلك إذا خشي على نفسه الهلاك، ومقتضى ذلك أنه يجوز له أو يجب أن يأكل ميتة الآدمي إبقاء على حياته، وعلى هذا نجد بين الأمرين تعارضا، وهو مثار الخلاف بين الفقهاء في حكم هذه المسألة، حيث منع بعضهم أكل المضطر من ميتة آدمي ولو كانت ميتة ذمي؛ ترجيحا لحرمة الميت وإعمالا لأدلتها، وأجاز آخرون له الأكل منها إذا لم يجد غيرها، وإيثارا لحق الحي على حق الميت، وتقدم ما يمكن أن يعتبر مرجحا لهذا الجانب، وفيما يلي ذكر بعض أقوالهم في حكم المسألة مع توجيه كل منهم لما ذهب إليه: (والنص عدم جواز أكله) ابن القصار: المضطر إلى أكل لحم الميتة لا يجد إلا لحم آدمي لا يأكله، وإن خاف التلف، وابن رشد: الصحيح أن الميت من بني آدم ليس بنجس، ثم قال: والميت من بني آدم لا يسمى ميتة، فليس برجس ولا نجس، ولا حرم أكله لنجاسته، وإنما حرم أكله إكراما له، ألا ترى أنه لما لم يسم ميتة لم يجز للمضطر أن يأكله بإباحة الله تعالى له أن يأكل الميتة على الصحيح من الأقوال، (وصحح أكله) ابن عرفة، وتعقب عبد الحق قول ابن القصار: إن المضطر لا يأكل ميتة آدمي. اهـ المقصود منه (١).

وقال أحمد الدردير في الشرح الكبير على مختصر خليل:

النص المعول عليه (عدم جواز أكله) أي أكل الآدمي الميت، ولو كان كافرا (لمضطر)، ولو مسلما لم يجد غيره؛ إذ لا تنتهك حرمة مسلم لآخر، (وصحح أكله) ابن عرفة: أي صحح ابن عبد السلام القول بجواز أكله للمضطر. اهـ (٢).


(١) من كتاب الجنائز ج٢ شرح المواق على مختصر خليل.
(٢) من كتاب الجنائز من ج١