للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثانيا: (إن مشاهدة العارف الحكم لا تبقي له استحسان حسنة ولا استقباح سيئة).

والمراد بالحكم هو المشيئة فلا يصل العارف إلى مقام الفناء حتى يفنى عن جميع مراداته بمراد ربه وجميع الكائنات مرادة له تعالى إرادة كونية قدرية، وبناء عليه فلا فرق بين الحسنة والسيئة ولا الطاعة والمعصية؛ إذ سمى الكل موافقة الإرادة الكونية القدرية، وعليه فلا يوجد ما هو مبغوض لله؛ إذ الكل محبوب له لأنه إذا وقع وخلق علم أن الله يحبه ويرضاه حتى قال قائلهم:

فصرت منفعلا لما يختاره ... فكل ما أفعله طاعات

وسبب هذا عدم الفرق بين ما تتعلق به الإرادة الكونية من الخلق والإيجاد والرزق ونحوها وبين ما تتعلق به الإرادة الشرعية مما يحبه الله من امتثال أوامره تعالى واجتناب نواهيه وبذا يحصل الفرق بين الطاعة والمعصية والحسنة والسيئة؛ إذ هو يريد كونا وقدرا ما لا يريده دينا وشرعا، فهو لا يرضى الكفر لكنه يخلقه ولا يرضى المعصية لكن يوجدها من العبد (١)


(١) انظر شذرات البلاتين ورسالة الحسنة والسيئة لابن تيمية ص (١/ ٢٤٦).