للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيهم من يقول إن مشاهدة القدر تنفى الملام والعقاب وأن العارف يستوي عنده هذا وهذا، وهم في ذلك متناقضون مخالفون للشرع والعقل والذوق والوجد فإنهم لا يسوون بين من أحسن إليهم وبين من ظلمهم، ولا يسوون بين العالم والجاهل والقادر والعاجز، ولا بين الطيب والخبيث ولا بين العادل والظالم بل يفرقون بينهم ويفرقون أيضا بين موجب أهوائهم وأغراضهم لا بموجب الأمر والنهي فلا يقفون لا مع القدر ولا مع الأمر بل كما قال بعض العلماء: أنت عند الطاعة قدري وعند المعصية جبري أي مذهب وافق مذهبك تمذهبت به (١).

وهذا المذهب مردود بما يلي:

أولا: أنه يلزمه إذا احتج بالقدر على المحظور أن يجوز احتجاج غيره به إذا آذاه أو أساء إليه فلا يطالبه بعقوبة وهو ما لا يفعله.

ثانيا: أن هذا القول مستلزم لفساد العالم وتضارب المجتمع وانتشار الشر لأنه يتضمن رفع العقوبات عن المجرمين والظالمين وإباحة الأعراض والأموال والأنفس، وهذا لازم باطل فما بني عليه فهو باطل.

ثالثا: أن مما علم بالضرورة من دين الإسلام انقسام أفعال العباد إلى طاعة ومعصية، وإلى ما ينفع وما يضر، ومعروف ومنكر، وإلى طيبات وخبائث وإلى متابع للشرع ومخالف له، ولو صح قوله لصح أن يجعل كل ما جرى به القدر عذرا وهو باطل فما لزم منه ذلك فهو باطل.

رابعا: فإن ادعى أن يعذر بالقدر من شهده دون غيره قيل له إن الشهود والجحود من القدر هو متناول لهما فإن أوجبت فرقا بينهما فقد أبطلت قولك من أصله.


(١) انظر مجموعة الرسائل والمسائل (١/ ٧٢ - ٧٥).