للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من قوله موقوفا.

وروى السفاح بن مطر عن عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يوم عرفة اليوم الذي يعرف الناس فيه (١)» مرسل حسن، احتج به الإمام أحمد على أن الناس إذا وقفوا في يوم عرفة خطأ


(١) رواه الدارقطني في الحج ٢/ ٢٢٣، ٢٢٤، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى في الحج باب خطأ الناس يوم عرفة ٥/ ١٧٤ من طريق هشيم عن العوام بن حوشب عن السفاح بن مطر به. وإسناده ضعيف. فيه ثلاث علل: إحداها: الإرسال- كما ذكر المؤلف- فإن عبد العزيز بن عبد الله بن خالد تابعي لم يدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم. انظر المراسيل لأبي داود ص ١٣٩، والتقريب ص ٣٥٧، والثانية: السفاح بن مطر لم يوثقه غير ابن حبان في كتاب الثقات ٦/ ٤٣٥، وقال في التقريب ص ٢٤٣: " مقبول "، والثالثة: هشيم- وهو ابن بشير- مدلس، وقد عنعن. انظر تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس لابن حجر ص ١١٥، وقال البيهقي: "هذا مرسل جيد". وله شاهد لا يفرح به رواة الدارقطني في الموضوع السابق من طريق الواقدي عن ابن أبي سبرة عن يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عرفة يوم يعرف الناس". الواقدي متروك كما في التقريب ص-٤٩٨، وزيد بن طلحة تابعي، انظر التاريخ الكبير ٣/ ٣٩٨، والثقات ٤/ ٢٤٩، فهو مرسل. وفي الجملة فإن هذا الحديث صحيح من حديث أبي هريرة بلفظ: " الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطرون والأضحى يوم يضحون "، وقد صححه أو حسنه جمع من أهل العلم منهم النووي في المجموع ٥/ ٢٧، والسبكي في رسالة العلم المنشور في إثبات الشهور ص ١٨، والسيوطي في الجامع الصغير (فيض القدير ٤/ ٤٤١)، والعظيم آبادي في التعليق المغني ٢/ ٢٢٤، وأحمد شاكر في رسالته: أوائل الشهور العربية هل يجوز شرعا إثباتها بالحساب الفلكي ص ٢٤، ومحمد ناصر الدين في الإرواء ٤/ ١١، وشعيب الأرنؤوط في تعليقه على شرح السنة ٦/ ٢٤٨، وعبد القادر الأرنؤوط في تعليقه على جامع الأصول ٦/ ٢٧٨. وقد اختلف في تفسير هذا الحديث: " وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: إنما معنى هذا: أن الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس ". وقال الإمام الخطابي في معالم السنن ٣/ ٢١٣: " معنى الحديث أن الخطأ موضوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد، فلو أن قوما اجتهدوا فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين، فلم يفطروا حتى استوفوا العدد، ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعا وعشرين فإن صومهم وفطرهم ماض، فلا شيء عليهم من وزر أو عنت، وكذلك في الحج إذا أخطئوا يوم عرفة فإنه ليس عليهم إعادة، ويجزيهم أضحاهم كذلك، وإنما هذا تخفيف من الله سبحانه ورفق بعباده. ولو كلفوا إذا أخطئوا العدد أن يعيدوا لم يأمنوا أن يخطئوا ثانيا، وأن لا يسلموا من الخطأ ثالثا ورابعا، فإن ما كان سبيله الاجتهاد كان الخطأ غير مأمون فيه ". وقد وافق الإمام الخطابي على هذا التفسير جمهور أهل العلم. انظر نيل الأوطار ٣/ ٣٨٣. وخالفهم في تفسير هدا الحديث القاضي السبكي في كتاب العلم المنشور ص ١٨ فقال بعد ذكره لهذا الحديث: " وهذا معناه والله أعلم إذا اجتمع الناس على ذلك فلا يكلفون بما عسى أن يكون في نفس الأمر ولم يعلموا به ". وقال ص ٥١ من هذا الكتاب بعد ذكره لقول الحنفية: إنهم إذا عدوا شعبان ثلاثين عن رؤية ثم صاموا ثمانية وعشرين فرأوا الهلال قضوا يوما، لأنهم غلطوا. قال: " فذلك من الحنفية يدل على أن الصوم ليس يوم تصومون غلطا والفطر ليس يوم تفطرون غلطا، وإنما معنى الحديث: يوم تصومون الصوم الصحيح وتفطرون الفطر الصحيح ". والأقرب في تفسير هذا الحديث هو ما نقله الإمام الترمذي عن بعض أهل العلم، فهو الموافق لقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ولا يعرف لها مخالف من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. انظر ما مضى ص (٢٢) تعليق (٤)، وانظر التعليق الآتي.