للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأوجب استيفاء المماثلة بالوزن في الموزون وبالكيل في المكيل فدل ذلك على أن الاعتبار في التحريم الكيل والوزن مضموما إلى الجنس. ومما يحتج به المخالف من الآية على اعتبار الأكل قوله عز وجل: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (١) وقوله تعالى {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا} (٢) فأطلق اسم الربا على المأكول، قالوا فهذا عموم في إثبات الربا في المأكول، وهذا عندنا لا يدل على ما قالوا من وجوه:

أحدها: ما قدمنا من إجمال لفظ الربا في الشرع وافتقاره إلى البيان فلا يصح الاحتجاج بعمومه، وإنما يحتاج إلى أن يثبت بدلالة أخرى أنه ربا حتى يحرمه بالآية ولا يأكله.

والثاني: أن أكثر ما فيه إثبات الربا في مأكول وليس فيه أن جميع المأكولات فيها ربا ونحن قد أثبتنا الربا في كثير من المأكولات، وإذا فعلنا ذلك فقد قضينا عهدة الآية، ولما ثبت بما قدمنا من التوقيف والاتفاق على تحريم بيع ألف بألف ومائة كما بطل بيع ألف بألف إلى أجل فجرى الأجل المشروط مجرى النقصان في المال وكان بمنزلة بيع ألف بألف ومائة وجب أن لا يصح الأجل في القرض كما لا يجوز قرض ألف بألف ومائة إذ كان نقصان الأجل كنقصان الوزن وكان الربا تارة من جهة نقصان الوزن وتارة من جهة نقصان الأجل وجب أن يكون القرض كذلك، فإن قال قائل ليس القرض في ذلك كالبيع؛ لأنه يجوز له مفارقته في القرض قبل قبض البدل ولا يجوز مثله في بيع ألف بألف. قيل له إنما يكون الأجل نقصانا إذا كان مشروطا فأما إذا لم يكن مشروطا فإن ترك القبض لا يوجب نقصا في أحد المالين، وإنما بطل


(١) سورة البقرة الآية ٢٧٥
(٢) سورة آل عمران الآية ١٣٠