للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جزاء وفاقا بكفرهما وخيانتهما، بدلالة امرأة نوح على من آمن به، ودلالة امرأة لوط على ضيوفه، لا بالزنى، فإن الله سبحانه لا يرضى لنبي من أنبيائه زوجة زانية، قال ابن عباس - رضي الله عنهما - في تفسير قوله تعالى: {فَخَانَتَاهُمَا} (١) قال: (ما زنتا). وقال: (ما بغت امرأة نبي قط إنما كانت خيانتهما في الدين) وهكذا قال عكرمة، وسعيد بن جبير، والضحاك وغيرهم.

وبين الله سبحانه بالمثل الذي ضربه للذين آمنوا بآسية زوجة فرعون وكان أعتى الجبابرة في زمانه، أن مخالطة المؤمنين للكافرين لا تضرهم إذا دعت الضرورة إلى ذلك ما داموا معتصمين بحبل الله تعالى، متمسكين بدينه، كما لم ينفع صلاح الرسولين نوح ولوط زوجتيهما الكافرتين، قال الله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} (٢) ولذلك لم يضر زوجة فرعون كفر زوجها وجبروته، فإن الله حكم عدل، لا يؤاخذ أحدا بذنب غيره، بل حماها وأحاطها بعنايته، وحسن رعايته، واستجاب دعاءها، وبنى لها بيتا في الجنة، ونجاها من فرعون وكيده، وسائر القوم الظالمين.

مما تقدم في تفسير الآيات من أن ابن نوح ليس ابن زنى، وأن عائشة - رضي الله عنها - برأها الله في القرآن مما رماها به رأس النفاق، ومن انخدع بقوله من المؤمنين والمؤمنات، وأن كلا من امرأة نوح وامرأة لوط لم تزن، وإنما كانتا كافرتين، ودلت كل منهما الكفار على ما يسوءهما، ويصد الناس عن اتباعهما، وأن زواج المؤمن بالكافرة كان مباحا في الشرائع السابقة، وكذا زواج الكافر بالمؤمنة، وأن الله حمى امرأة فرعون من كيده، وحفظ عليها دينها ونجاها من


(١) سورة التحريم الآية ١٠
(٢) سورة آل عمران الآية ٢٨