للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الموت في هذه الدنيا على غيرنا قد وجب، وكأن الحق فيها على غيرنا قد كتب، وكأن ما نشيع به من الموتى عن قريب إلينا راجعون، نبوئهم أجداثهم، ونأكل تراثهم، كأنا مخلدون بعدهم، قد أمنا كل جائحة، فطوبى لمن وسعته السنة ولم يخالفها إلى بدعة، ورضي من العيش بالكفاف وقنع بذلك».

وهذا الحديث مكذوب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد نص أئمة الحديث على ذلك في كتب الموضوعات (١).

وربما غر ذلك الشيخ الفاضل حلاوة ألفاظ الحديث، وصلاحه موعظة للناس، ووجوده في كتاب عميم النفع، ولم يدر أن كون الكتاب بهذه الصفة لا يلزم منه أن يكون كل ما فيه - لا سيما ما كان خارجا عن اختصاص مؤلفه - مقبولا وصحيحا. وأمثلة استشهاد الخطباء بالأحاديث الموضوعة أكثر من أن تحصى.

وينبغي أيضا أن يميز بين الأحاديث التي تساق للاحتجاج ولاستنباط الأحكام منها، وبناء القواعد عليها، وبين ما يورد للاستئناس، أو للتعاضد والتقوية، أو ما يذكر في فضائل الأعمال والترغيب والترهيب. فبينما لا يجوز في الأولى الاحتجاج بغير المقبول من الأحاديث، يجوز في الأخرى إيراد ما سوى الموضوع وشديد الضعف. وكل هذا لا يعرف إلا بعد معرفة درجة الحديث.

ونحن لا نكلف كل باحث غير متخصص في علوم الحديث البحث عن أحوال رجال الحديث، ثم الإدلاء برأيه وحكمه في قبول الحديث أو رده، ففي هذا خطر على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظم من ضرر ترك الحديث بغير حكم. بل نطلب من هذا الباحث أن ينقل لنا أقوال المحدثين في بيان


(١) انظر تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة ٢/ ٣٤٠.