للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الترجيح

والذي يترجح عندي هو: القول بأن طواف الوداع واجب في الحج لقوة أدلة من قال بذلك، فإنه قد اجتمع فيه ثلاثة أمور تدل على وجوبه:

أولها: أنه مأمور به بقول ابن عباس رضي الله عنهما: «أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت (١)»، وهذا الحديث له حكم الرفع، وهو حديث صحيح متفق عليه، يدل على أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بطواف الوداع.

ثانيها: أنه منهي عن تركه في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -:. . . «لا ينفرن (٢)». وهو دليل على منع الخروج من مكة دون وداع، وهو ظاهر في وجوب طواف الوداع؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه (٣)».

ثالثها: أنه رخص للحائض ونحوها في تركه، ولا تكون الرخصة إلا مقابل عزيمه، فدل ذلك على وجوبه، وإن لم يطف للوداع جبره بدم كواجبات الحج الأخرى.

أما قياس طواف الوداع على طواف القدوم في إتيان الأفقي بهما دون المكي فهو قياس مع الفارق؛ لأن المكي والأفقي سواء في واجبات الحج إذا كانت العلة مشتركة، وهاهنا ليست العلة مشتركة؛ لأن علة هذا الطواف التوديع للخارج من مكة وهو: الأفقي، وليست هذه العلة موجودة في المكي فافترقا.

وأما الاستدلال بترخيص النبي - صلى الله عليه وسلم - للحائض على عدم وجوبه فهو استدلال


(١) صحيح البخاري الحج (١٧٥٥)، صحيح مسلم الحج (١٣٢٨)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٤٣١)، سنن الدارمي المناسك (١٩٣٤).
(٢) صحيح مسلم الحج (١٣٢٧)، سنن أبو داود المناسك (٢٠٠٢)، سنن ابن ماجه المناسك (٣٠٧٠)، سنن الدارمي المناسك (١٩٣٢).
(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ٩/ ١٠١.