للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في هذا السبيل ما الله به عليم، فصبراو وصابروا؛ لأنهم قدوة، ولا يريدون وراء ذلك شهرة أو مكسبا دنيويا.

وقد نفع الله بعلمهم، وبصمودهم أمام كل محدثة في دين الإسلام، فذهب خصومهم، وبقيت أعمالهم شاهدة على صدقهم، وحسن مقاصدهم، ولإدراك من جاء بعدهم أنهم مصابيح يهدي الله بهم الساري على طريق الدعوة عندما تختلط المعالم، وتتباين الآراء، وقد نفع الله بعلمهم وآرائهم بعد مماتهم، أكثر مما تم في فترة نقاشهم وحوارهم مع غيرهم في حياتهم؛ لأنهم تركوا علما كثيرا ينتفع به، ويزيل الشبهات ويفند البدع المحدثة في الأزمنة المتعاقبة.

ونموذج ابن تيمية رحمه الله - قبله وبعده - بحمد الله كثير من سجلات أمة الإسلام، وهذا من نعم الله بعباده، ومن حفظه سبحانه للدين، الذي اختاره سبحانه ليكون خاتمة الرسالات، وبعث به أفضل خلقه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، أفضل الأنبياء والمرسلين وخاتمهم.

وهؤلاء الدعاة والعلماء، هم حماة دين الله، والمجددون له في كل عصر ومصر؛ لأن الله آتاهم فقها في الدين، وقوة في الإيمان والعلم، يقول صلى الله عليه وسلم في حديث أخرجه البخاري ومسلم -رحمهما الله- عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقه في الدين، ولا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة (١)».

وحيث إن حياة شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، حافلة بالأعمال الجليلة، فقد أوقف نفسه للدفاع عن الإسلام، دعوة إلى الله، وتصحيحا لعقيدة المسلمين، وقمعا للبدعة، وما ذلك إلا أن العقيدة هي المدار في الأعمال، كالمحور الذي تدور عليه البكرة، فإن سلمت العقيدة سلم العمل، وإن أصابها الخلل تأثر العمل كله، والله - جل وعلا - يقول في الحديث القدسي: «من


(١) سنن الترمذي العلم (٢٦٤٥)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٣٠٦)، سنن الدارمي المقدمة (٢٢٥).