للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرجل بين أظهر عباد الله، يقوم معوجهم، ويصلح فسادهم، ويلم شعثهم جهد إمكانه، في هذا الزمان المظلم، الذي انحرف فيه الدين، وجهلت السنن، وعهدت البدع، وصار المعروف منكرا والمنكر معروفا، والقابض على دينه كالقابض على الجمر، فإن أجر من قام بإظهار هذا النور في هذه الظلمات لا يوصف، وخطره لا يعرف.

فشيخكم - أيدكم الله تعالى - عارف بأحكام أسمائه وصفاته الذاتية، فالله الله في حفظ الأدب معه، والانفعال لأوامره، وحفظ حرماته في الغيب والشهادة، وحب من أحبه، ومجانبة من أبغضه وتنقصه، ورد غيبته، والانتصار له في الحق.

واعلموا - رحمكم الله - أن هنا من سافر إلى الأقاليم - يعني نفسه - وعرف الناس وأذواقهم، وأشرف على غالب أحوالهم، فوالله، ثم والله، ثم والله، لم ير تحت أديم السماء مثل شيخكم - يعني ابن تيمية - علما، وعملا، وحالا وخلقا واتباعا وكرما، وحلما في حق نفسه، وقياما في حق الله عند انتهاك حرماته، أصدق الناس عقدا وأصحهم علما، وعزما وأنفذهم وأعلاهم في انتصار الحق وقيامه همة، وأسخاهم كفا، وأكملهم اتباعا لنبيه صلى الله عليه وسلم) (١).

وما ذلك إلا أن مكانة شيخ الإسلام ابن تيمية العلمية، كانت مثار الانبهار لمن عرفه عن كثب، أو تابع مجهوداته العلمية، أو المناظرات التي دارت بينه وبين مناوئيه، وإن ألف غرف من بحر المعرفة، وإن اتجه إلى موضوع أشبعه، وإن جابه علية المجتمع، كان ذلك الشجاع الذي يجهر بكلمة الحق، ولا يخشى في


(١) التذكرة والاعتبار ص ٤٧ - ٥٠.