للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قاضي المالكية - يقول بعد ذلك: (ما رأينا أتقى من ابن تيمية، إذ لم نبق ممكنا في السعي فيه، ولما قدر علينا عفا عنا) (١).

ولقد حبس عدة مرات بسبب مكائد الخصوم، ووشي به إلى السلاطين لعله يقتل، لكن الله سبحانه ينجيه؛ لأن من حفظ الله حفظه، ومن كان مؤمنا حقا استحق دفاع الله عنه.

ودعي للمناظرات والخصومات عن ردوده على أصحاب الفرق والبدع، يقول تلميذه البزاز: (ولقد سجن أزمانا وأعصارا وسنين وشهورا، ولم يولهم -أي: المسيئين إليه والمخاصمين له- دبره فرارا، ولقد قصد أعداؤه الفتك به مرارا، وأوسعوا حيلهم عليه إعلانا وإسرارا، فجعل الله يحفظه منهم شعارا ودثارا، ولقد ظنوا أن في حبسه مشينة، فجعله الله له فضيلة وزينة، وظهر له يوم موته ما لو رآه واده في حياته أقر به عينيه، فإن الله تعالى؛ لعلمه بقرب أجله، ألبسه في الفراغ عن الخلق للقدوم على الحق أجمل حلله، كونه حبس على غير جريرة ولا جريمة، بل على قوة في الحق وعزيمة، هذا مع ما نشر الله له من علومه في الآفاق، وبهر بفنونه البصائر والأحداق، وملأ بمحاسن مؤلفاته الصحف والأوراق، كبتا ورغما للأعداء، أهل البدع المضلة والأهواء) (٢).

وهذا الكلام المجمل من تلميذ عاصر أستاذه، وعرف ما حصل له، وكأنه يريد بذلك ما حصل له من منع عن الفتوى، ومن سجن في القاهرة، ثم سجن في الإسكندرية، ثم سجن في دمشق حتى توفي وهو في هذا السجن الأخير. إذ أن من يختلف معه رحمه الله في أي أمر يطرحه، يلجأ إلى حيلة


(١) السيرة العلمية لشيخ الإسلام ابن تيمية، للدكتور عبد الرحمن الفريوائي، ص ١٧.
(٢) الأعلام العلية، ص٦٨.