للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبدا، إلا في ظل حكم الإسلام الخالد وبين يدي سلطانه الباذخ.

ومنذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالدين الحق وشعاره الذائع: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (١)، لكنه سيبقى في طي الأمنيات ما لم يسانده تطبيق حثيث لكل معطياته. وفي تعطيل ذلك: من فساد الأخلاق، وتحطيم القيم، ودحر الخير والصد عنه، وفتح مجال الانهيار والسقوط ما لا يعلم مداه إلا الله تعالى (٢).

فجاء النهي صارما قاطعا جهيرا لا لبس فيه ولا مواربة ولا استجداء، ومن جهة أخرى: فقد أفسح للمسلم آفاق العمل والإنتاج والابتغاء في فجاج الأرض الواسعة، ووهب له أسباب المتعة والترويح المشروع والتلذذ بما أفاء الله عليه من نعم. ولم يوصد أمامه بابا عن المحاكاة والتشبه والفساد إلا وجعل له أبوابا من الطيبات مشرعة: «يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا (٣)»، «لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة (٤)»، لا سيما في حال ضعف القلب ورقة الهوى، والعجز عن إغناء النفس بما يفيد، والصبر على ما ينفع. فله أن يتوسع بالباطل الذي لا مفسدة فيه، وإن كان نقصا، لكن ليس كل الخلق مأمورين بالكمال


(١) سورة المائدة الآية ٥١
(٢) ينظر ابن تيمية "اقتضاء الصراط المستقيم" (١/ ١٧٤، ٣١٠، ٣١٥، ٤٨٤).
(٣) أخرجه البخاري في "الصحيح" رقم (٩٥٢) ومسلم في "الصحيح" رقم (٨٩٢) وأحمد في "المسند" (٦/ ١٣٤) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٤) أخرجه أحمد في "المسند" (٦/ ١١٦، ٢٢٣) من حديث عائشة رضي الله عنها.