للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أرسل إليهم، إكمالا يناسبهم ويليق بظروفهم وأحوالهم، أما بالنسبة إلى هذه الأمة فقد أكمل لها الدين في جميع المعاني، وجعله دينا صالحا لجميع ظروفهم وأحوالهم وغناهم وفقرهم، وحربهم وسلمهم، وشدتهم ورخائهم، وفي جميع أصقاع الدنيا، وفي جميع الزمان إلى يوم القيامة. وقد أردت أن أذكر شيئا يسيرا من محاسن هذه الشريعة وأسرارها العظيمة. أما الاستقصاء فلا يخفى على من له أدنى علم أنه لا يمكن أن يستقصي أحد محاسن هذه الشريعة، كيف يستطيع أحد أن يحصي فضائلها، وهي شريعة من حكيم عليم قد علم كل شيء فيما مضى وفيما يأتي إلى يوم القيامة، وهو العالم بأحوال عباده وأسرار تشريعه سبحانه وتعالى، ولكن حسب طالب العلم أن يذكر شيئا من محاسن هذه الشريعة فالله - جل وعلا - قال: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (١) {إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} (٢)، أخبر الله سبحانه وتعالى أنه جعل نبيه محمدا - عليه الصلاة والسلام - على شريعة من الأمر، والمعنى: على طريقة بينة واضحة ظاهرة من الأمر أي من الدين القويم، وهو دين الإسلام، ثم قال: فاتبعها: أي الزمها وتمسك بها، وهو أمر له - عليه الصلاة والسلام -، وأمر لجميع الأمة بذلك، فالأمر له أمر لنا إلا ما دل الدليل على تخصيصه به - عليه الصلاة والسلام -، ثم قال: {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (٣) يحذر سبحانه من اتباع أهواء الناس، وكل من خالف الشريعة فهو من الذين لا يعلمون، ثم بين - جل وعلا - أن الناس لن يغنوا عنه من الله شيئا، يعني: لو مال


(١) سورة الجاثية الآية ١٨
(٢) سورة الجاثية الآية ١٩
(٣) سورة الجاثية الآية ١٨