للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الهدايا التي تذبح أنها لا تجوز إلا في الحرم. ويدل عليه أيضا قوله تعالى في سياق الخطاب بعد ذكر الإحصار: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (١) فأوجب على المحصر دما ونهاه عن الحلق حتى يذبح هديه، فلو كان ذبحه في الحل جائزا لذبح صاحب الأذى هديه عن الإحصار وحل به واستغنى عن فدية الأذى، فدل على أن الحل ليس بمحل الهدي، فإن قيل هذا فيمن لا يجد هدي الإحصار. قيل له لا يجوز أن يكون ذلك خطابا فيمن لا يجد الدم؛ لأنه خيره بين الصيام والصدقة والنسك، ولا يكون مخيرا بين الأشياء الثلاثة إلا وهو واجد لها؛ لأنه لا يجوز التخيير بين ما يجد وبين ما لا يجد، فثبت بذلك أن محل الهدي هو الحرم دون محل الإحصار. ومن جهة النظر لما اتفقوا في جزاء الصيد أن محله الحرم وأنه لا يجزئ في غيره، وجب أن يكون كذلك حكم كل دم تعلق وجوبه بالإحرام، والمعنى الجامع بينهما تعلق وجوبهما بالإحرام، فإن قيل قال الله تعالى: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} (٢) وذلك في شأن الحديبية، وفيه دلالة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه نحروا هديهم في غير الحرم لولا ذلك لكان بالغا محله، قيل له هذا من أول شيء على أن محله الحرم؛ لأنه لو كان موضع الإحصار هو الحل محلا للهدي لما قال تعالى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} (٣) فلما أخبر عن منعهم


(١) سورة البقرة الآية ١٩٦
(٢) سورة الفتح الآية ٢٥
(٣) سورة الفتح الآية ٢٥