للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قراءة ولا كتابة.

قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -:

(من زعم من متأخري الفقهاء، كالقاضي أبي الوليد الباجي ومن تابعه، أنه عليه السلام كتب يوم الحديبية: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، فإنما حمله على ذلك رواية في صحيح البخاري: (ثم أخذ فكتب)، ولذا اشتد النكير من فقهاء المشرق والمغرب، على من قال بقول الباجي، وتبرءوا منه، وأنشدوا في ذلك أقوالا، وخطبوا في محافلهم، وإنما أراد الرجل - أعني الباجي فيما يظهر عنه - أنه كتب ذلك على وجه المعجزة، لا أنه كان يحسن الكتابة) (١).

وقد روى الحافظ في الفتح قصة الباجي، وما ذهب إليه، وما كان له مع العلماء في زمنه، بسبب ما قاله، فقال:

(وقد تمسك بظاهر هذه الرواية - أي رواية البخاري - أبو الوليد الباجي، فادعى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب بيده، بعد أن لم يكن يحسن يكتب، فشنع عليه علماء الأندلس في زمانه، ورموه بالزندقة، وأن الذي قاله يخالف القرآن، حتى قال قائلهم:

برئت ممن شرى دنيا بآخرة ... وقال إن رسول الله قد كتبا

فجمعهم الأمير، فاستظهر الباجي عليهم بما لديه من المعرفة، وقال للأمير: هذا لا ينافي القرآن، بل يؤخذ من مفهوم القرآن؛ لأنه قيد النفي بما قبل ورود القرآن، فقال الله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} (٢)


(١) تفسير ابن كثير ٣/ ٣٥٧.
(٢) سورة العنكبوت الآية ٤٨