للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعبارة (لا نكتب) - فإن أكثر العلماء قد وقفوا عند ظاهر اللفظ، لم يتجاوزوه، وحملوه على عدم إجادة الكتابة، باعتبار أن هذه المهارة كانت في هذه الأمة عزيزة نادرة، لا يتقنها إلا قلائل الأفراد.

غير أن شيخ الإسلام ابن تيمية، نظر إلى المسألة نظرة ثاقبة ذكية متعمقة، فذهب إلى أن أمة العرب كانت أمة أمية قبل القرآن؛ لأنه لم يكن لها كتاب تقرؤه، وظلت بعد نزوله أمية، باعتبار عدم احتياجها لحفظ دينها إلى كتابته، بل إن قرآنها محفوظ في صدور أبنائها، إضافة إلى تكفل الله سبحانه بحفظه - بنص الكتاب - إلى يوم الدين.

قال - رحمه الله -: (ويقال: (الأمي) لمن لا يقرأ ولا يكتب كتابا، ثم يقال لمن ليس لهم كتاب منزل من الله يقرءونه، وإن كان قد يكتب ويقرأ ما لم ينزل، وبهذا المعنى كان العرب كلهم أميين، فإنه لم يكن عندهم كتاب منزل من الله، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} (١)، وقد كان في العرب كثير ممن يكتب ويقرأ المكتوب، وكلهم أميون.

فلما نزل القرآن عليهم، لم يبقوا أميين باعتبار أنهم لا يقرءون كتابا من حفظهم، بل هم يقرءون القرآن من حفظهم، لكن بقوا أميين باعتبار أنهم لا يحتاجون إلى كتابة دينهم، بل قرآنهم محفوظ في قلوبهم، كما في الصحيح عن عياض بن حمار المجاشعي مرفوعا، وفيه: «إني مبتليك ومبتل بك وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويقظانا (٢)».


(١) سورة الجمعة الآية ٢
(٢) صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (٢٨٦٥)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ١٦٢).