للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما كتاب هذه الأمة، فهو خاتم الكتب جميعا، وهو معجزة الله الخالدة بين يدي خلقه إلى قيام الساعة، ولذا تكفل سبحانه وتعالى بحفظه وصونه، كتب أم لم يكتب، حرص على جمعه وتدوينه أم لم يحرص، وهذا ما يوضحه الخطاب الإلهي التالي، الموجه إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -، حين أخذ يسارع في حفظ القرآن ويلهج بترديده، مخافة نسيانه له، وضياعه منه، قال تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} (١) {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} (٢) {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} (٣) {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (٤).

فهذا الكتاب المبين محفوظ بحفظ الله له، وبتسخيره طائفة من عباده المؤمنين يحفظونه في صدورهم، ويتعاهدونه بالتلاوة والترديد، آناء الليل وأطراف النهار، وما كتابته - من قبل كتبة الوحي وفي المصاحف - إلا تزيدا في تثبيت هذا الحفظ، ومبالغة في تأكيد ذلك الصون لا أكثر.

لقد رفع - بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب (٥)» - عن هذه الأمة إصران من الآصار التي تغل حياة غيرها من الأمم:

١ - إصر تكلف التزام الكتابة، لحفظ الكتاب والسنة، مخافة ضياعهما، ذلك لئلا تصير أصول ديننا - من كتاب وسنة - معلقة بالكتب، لو عدمت هذه الكتب ضاع أكثر تلك الأصول.

٢ - إصر تقحم وعثاء علم حساب النجوم، لمعرفة مواقيت بعض العبادات والأحكام، من صوم، وفطر، وحج، وعدة، وإيلاء، وكفارات، وذلك كي لا تصبح أحكام ديننا معلقة بعلم حساب النجوم، الذي تشق معرفته على غالب جماهير الأمة، بل


(١) سورة القيامة الآية ١٦
(٢) سورة القيامة الآية ١٧
(٣) سورة القيامة الآية ١٨
(٤) سورة القيامة الآية ١٩
(٥) صحيح البخاري الصوم (١٩١٣)، صحيح مسلم الصيام (١٠٨٠)، سنن النسائي الصيام (٢١٤٠)، سنن أبو داود الصوم (٢٣١٩)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٤٣).