للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الذهب بالدينارين والثلاثة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا بوزن (١)» ففي هذا الحديث ليس للقلادة ذكر، ولي فيه النهي عن بيع ما لم يفصل، بل فيه النهي عن بيع الذهب بالدينار إلا مماثلا. وأما ما قال الحافظ من أنه ينبغي الترجيح بين رواتها، وإن كان الجميع ثقات، فنحكم بصحة رواية أحفظهم وأضبطهم؛ ففيه أنهم إذا كانوا كلهم سواء في الحفظ والضبط فكيف الترجيح؟ وأيضا لا يجوز تغليط ثقة؛ لأن عليه الاعتماد.

فعلى هذا لا حجة في هذا الحديث لاضطرابه، وكيف وفيه حرج عظيم ومشقة على الأمة، إذا حكم بفصل الذهب والفضة عن الأشياء التي تحلى بالذهب والفضة؛ لأن بعض الأشياء بعد نزوع الذهب والفضة منها تنقص قيمتها كثيرا، بل بعضها لا يكون لها قيمة، فكيف يحكم بهذا الشارع ويحكم بإبطال الصنع وهو حكيم؟) اهـ.

أقول: في اعتراضه - رحمه الله - بقوله: ففيه أنهم إذا كانوا كلهم سواء في الحفظ والضبط فكيف الترجيح؟. في قوله هذا نظر ملخصه: هل تحقق أن رواة هذه الروايات المختلفة كلهم سواء في الحفظ والضبط؟ كما أن قوله: لا يجوز تغليط ثقة لأن عليه الاعتماد. ليس على إطلاقه بل إذا روى الثقة حديثا يخالف ما روى الناس اعتبرت روايته هذه شاذة، وتعين التوقف فيها وعدم الاحتجاج بها. قال ابن كثير - رحمه الله - في كتابه (الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث) في معرض تعريفه الشاذ ما نصه (٢):


(١) صحيح مسلم المساقاة (١٥٩١)، سنن النسائي البيوع (٤٥٧٣)، سنن أبو داود البيوع (٣٣٥٣)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٢٢).
(٢) ص٦١ من الكتاب.