للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢ - مرسل الصحابي

المشهور من مذهب الشافعي - رحمه الله - قبول مرسل الصحابي، وهو في هذا مثل الجمهور في قبوله، إلا أنه قد نقل بعضهم عنه عدم الاحتجاج به، فقد قال القاضي عبد الجبار: " إن مذهب الشافعي أن الصحابي إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، قبل، إلا إن علم أنه أرسله، وكذا نقله ابن بطال في أوائل شرحه للبخاري عن الشافعي، قلت: وهذا القول غير سليم فقد قال السخاوي: فالنقل بذلك عن الشافعي خلاف المشهور من مذهبه، وقد صرح ابن برهان في الوجيز: أن مذهبه أن المراسيل لا يجوز الاحتجاج بها إلا مراسيل الصحابة ومراسيل سعيد، وما انعقد الاجتماع على العمل به " (١) اهـ قلت: وما أطلقه ابن برهان غير مسلم كما ستراه في مرسل كبار التابعين ومرسل سعيد.

وقد ذكر الإمام النووي - رحمه الله - أن مذهب الشافعي في مرسل الصحابي وهو ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يدركه أو لم يحضره أنه حجة، حيث قال: " ومذهب الشافعي أنه إذا انضم إلى المرسل ما يعضده احتج به وبان بذلك صحته. . سواء عنده في هذا مرسل سعيد بن المسيب وغيره. . .، ثم قال: هذا في غير مرسل الصحابي، أما مرسله وهو روايته ما لم يدركه أو يحضره، كقول عائشة رضي الله تعالى عنها: «كان أول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا (٢)»، فمذهب الشافعي والجماهير أنه حجة " (٣).، اهـ. وهذا ما أكده الحافظ السيوطي عند شرحه لعبارة النووي (أما مرسله - أي الصحابي - فمحكوم بصحته على المذهب الصحيح)، قال السيوطي: الذي قطع به الجمهور من أصحابنا وغيرهم وأطبق عليه المحدثون المشترطون للصحيح القائلون بضعف المرسل. . . لأن أكثر رواياتهم عن الصحابة، وكلهم عدول، ورواياتهم عن غيرهم نادرة وإذا رووها بينوها بل أكثر ما رواه الصحابة عن التابعين، ليس أحاديث مرفوعة بل إسرائيليات أو حكايات موقوفات. . . " (٤).، اهـ، قلت: وقد حدث بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم حدثوا عن أنفسهم أنه ليس كل قول يقولونه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سمعوه منه صلى الله عليه وسلم، فقد ذكر الخطيب من هذا كثيرا، فأخرج بسنده إلى البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: ليس كلنا سمع حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، كانت لنا ضيعة وأشغال وكان الناس لم يكونوا يكذبون يومئذ فيحدث الشاهد الغائب. وأخرج عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: ليس كل ما نحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعناه منه،


(١) فتح المغيث ١: ١٤٦ - ١٤٧ وتوجيه النظر ص٢٤٦
(٢) أخرجه البخاري والترمذي وأحمد
(٣) شرح البخاري للنووي ص ١١
(٤) تدريب الراوي ١: ٢٠٧