للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النحر، ثم رجع فصلى الظهر بمنى (١)» ٥٨. . ولحديث جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء فيه: «أنه صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة، ثم انصرف إلى المنحر فنحر هديه، ثم أفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر (٢)». .


(١) أخرجه مسلم في الحج، باب استحباب طواف الإفاضة يوم النحر ٩ /
(٢) أخرجه مسلم في الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم ٨/ ١٧٠ - ١٩٤. (تنبيه) جاء في حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بمنى، وفي حديث جابر أنه صلى الظهر بمكة، وقد استشكل ذلك ابن حزم، لكن الجمع ممكن. ووجهه: أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بمكة في أول وقتها، ثم رجع إلى منى فصلى بها الظهر مرة أخرى نافلة. انظر: القرى للطبري ص ٤٦٣، شرح النووي على صحيح مسلم ٨/ ١٩٣، هداية السالك ٣/ ١١٧٥، هداية الناسك ص ١١٤. (تنبيه آخر) دل حديثا ابن عمر، وجابر رضي الله عنهم على أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف للإفاضة ضحى يوم النحر، ويشكل عليهما حديث أبي الزبير عن عائشة، وابن عباس رضي الله عنهم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر طواف يوم النحر إلى الليل) أخرجه أحمد ١/ ٢٨٨. قال الهيثمي في المجمع ٣/ ٢٦٥: (رجاله رجال الصحيح)، وأبو داود، في باب الإفاضة في الحج ٢/ ٢٠٧ (٢٠٠٠)، والترمذي في طواف الزيارة بالليل ٢/ ٢٠١ (٩٢٣). وحسنه ابن ماجه في زيارة البيت ٢/ ١٠١٧ (٣٠٥٩). لكن جمع بينهما من وجهين: (الأول) أنه صلى الله عليه وسلم أذن في تأخير الطواف إلى الليل، فنسب إليه. قاله ابن جماعة في هداية السالك ٣/ ١١٧٥، وفيه بعد. (الثاني) أن يتأول قوله: (أخر طواف يوم النحر إلى الليل) أي: طواف نسائه. قال النووي في المجموع ٨/ ٢٢٣ بعد أن ذكره: (ولا بد من التأويل للجمع بين الأحاديث - فإن قيل - هذا التأويل يرده رواية القاسم عن عائشة في قوله: (وزار رسول صلى الله عليه وسلم مع نسائه ليلا) فجوابه: لعله عاد للزيارة، لا لطواف الإفاضة، فزار مع نسائه، ثم عاد إلى منى فبات بها والله أعلم)، ويؤيد الوجه الثاني حديث أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، ثم رقد رقدة بمنى، ثم ركب إلى البيت فطاف به) أخرجه أبو حاتم بن حبان، وقال في الجمع بينه وبين حديث ابن عمر: (يشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم رمى ثم أفاض، ثم رجع، فصلى الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء ورقد رقدة، ثم ركب إلى البيت، فطاف طوافا ثانيا بالليل). انظر القرى ص ٤٦٢. ولو تعذر الجمع وآل الأمر إلى الترجيح، فإن روايات جابر، وابن عمر - وغيرهما - أصح، وأشهر، وأكثر رواة. فوجب تقديمها، ولهذا رواها مسلم في صحيحه دون حديث أبي الزبير. كما ذهب إليه النووي وغيره. وممن ذهب إلى الترجيح ابن القيم في زاد المعاد ٢/ ٢٧٥، ٢٧٨. إذ اعتبر حديث أبي الزبير غلط بين، وذكرها من ضمن الأوهام فقال ٢/ ٣٠٨: (ومنها: وهم من وهم وقال: إنه أفاض مرتين: مرة بالنهار، ومرة مع نسائه بالليل - ثم بين مستند هذا الوهم وقال: وهذا غلط، والصحيح عن عائشة خلاف هذا: أفاض نهارا إفاضة واحدة، وهذه طريقة وخيمة جدا، سلكها ضعاف أهل العلم، المتمسكون بأذيال التقليد. (والله أعلم). قلت: هذا تحامل شديد منه - رحمه الله - في أمر هو محل نظر واجتهاد، وقد تبين لك أن حديث أبي الزبير يشهد له أحاديث أخرى كحديث أنس عند ابن حبان، وهو ممن ذهب إلى الجمع بينهما، وليس مثله ممن يوصف بالتمسك بأذيال التقليد. فعفا الله عن الجميع