للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخاصية الثانية

الربا مقابل الأجل

فاستحقاق الربا سببه تأجيل القرض أو الدين، فلا يكون الربا إلا في الديون المؤجلة، ويستوي أن يتفق على الزيادة ابتداء عند أخذ القرض أو عقد البيع المؤجل وأن تعرض عند المطالبة، فينظر المدين بارتضاء الزيادة إلى محل ميسرته كما يستوي أن تكون الزيادة محددة جملة واحدة، وأن يجري تقديرها بنسبة من رأس المال بإزاء طول الأجل، وتتضاعف الزيادة أضعافا مضاعفة كلما امتدت الآجال.

وقد عرف أحبار المشنا ما لتأجيل الدين من أثر ينقص من قيمته نقصا محددا، فقالوا فيمن شهدا زورا على دين مقداره ١٠٠٠ زوزيم، بأنه مؤجل لعشر سنين، وثبت تواطؤهما على الكذب، وأن الدين واجب الدفع خلال ثلاثين يوما، فإنه يحكم عليهما بأن يدفعا الزيادة في قيمة الدين الحاضرة على قيمته المؤجلة (١) ومثل هذه الزيادة المقابلة للتأجيل التي يجوز أخذها في الإتلاف تعادل الربا الذي لا يجوز أخذه في القرض، وهي التي استند الأحبار إلى احتمال وجودها في بيع الثمر قبل ظهوره للقول بتحريمه، وهذا البيع محرم في الإسلام، وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: " إن من الربا بيع الثمر وهي معصفة قبل أن تطيب" والربا في هذا القول يقصد به البيع المحرم من باب التوسع في إطلاق الربا، ولا يقصد به الربا الاصطلاحي في الفقه الإسلامي الذي يقتصر على ربا الدين وربوي الفضل والنسيئة في البيوع (٢) كما أن سبب تحريم هذا البيع يختلف عما عند اليهود، فالإسلام لا يحظر الزيادة في قيمة المبيع المؤجل في السلم على الثمن، وإنما يحرم هذا البيع بسبب الغرر، وينظر إلى الخطر الذي يحيط بوجود المبيع، ويمنع أن يضيع الثمن على المشتري إذا لم يوجد الثمر الذي ابتاعه.

الربا عند اليهود لا يسري في شيء من البيوع الحاضرة، ولا يعرف فقههم ما جاء به الإسلام في تنظيم هذه البيوع من محظورات يسميها فريق من مفسري المسلمين وفقهائهم ربا النقد يقابلونه بربا الديون الذي يسمونه ربا النسيئة لما فيه من التأجيل.


(١) ٢٠ the jewish encyclopaedia ١٩٠٥ voi x١١ p. ٣٨٨ / ٨.
(٢) نظرية الربا المحرم، المرجع السابق، ص٢٧.