للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخاصية الخامسة المساواة بين المسلم وغير المسلم في الربا

حظر ربا الدين عام ليطبق على مداينات المسلمين وغير المسلمين، فيحرم على المسلم أن يأخذ الربا من مستقرض غير مسلم، كما لا يجوز للمسلم إذا اقترض من غير المسلم أن يعطيه شيئا من الربا، ويستوي أن يكون غير المسلم ذميا أو حربيا بدار الحرب.

ويمنع الذمي من أكل الربا في دار الإسلام، ولو كان المدين ذميا مثله، أو كان ممن يدينون بحل الربا في بعض مدايناتهم، كاليهود في الديون التي يعقدونها مع سواهم، وكفريق النصارى المصلحين. وقد قدمنا ما ثبت في عهود رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الذميين من تحريم الربا عليهم.

وما يراه بعض المحدثين من الترخيص في أخذ المسلمين فوائد أموالهم التي يودعونها المصارف الأجنبية بالبلاد غير الإسلامية، لا يستند إلى دليل من الكتاب ولا السنة، ولا يسوغه أن لا يأخذ المودع الربا لنفسه وأن يدفعه إلى بيت مال المسلمين خدمة لصالحهم العام، ذلك أنهم يغفلون عن أثر الربا، في تخبط آكليه وما يوهنه من رشدهم بعزلهم عن مجالات تثمير ما يرزقون، وفي فقد دار الإسلام ثمرات الأموال الخارجة منها إلى البلاد الأجنبية ابتغاء هذا الاستغلال المحرم، الذي لا يبلغ ما يفيء منه قدر تلك الثمرات، وإلا ما تهافتت تلك المصارف على اجتذاب المسلمين بشتى وسائل الإغراء إلى دفع أموالهم إليها.

ولا حجة لهؤلاء القائلين فيما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة من جواز الربا بين المسلم والحربي في دار الحرب، ولا فيما عند الشيعة الإمامية من أن الربا لا يقع بين المسلم والحربي، سواء في دار الحرب أو في دار السلام، إذا أخذ المسلم الفضل، وإنما يكون حراما إذا أعطى المسلم الفضل؛ فقد رد الشافعي بأن ما احتج به أبو حنيفة من الحديث عن مكحول رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب» "أو" «لا ربا بين أهل الحرب وأهل الإسلام»، ليس هذا الحديث بثابت، ولا حجة فيه، فإنه لو صح لتأولناه على أنه لا يباح الربا في دار الحرب جمعا بين الأدلة.

وما استند إليه بعض الحنفية من أن مال الحربي ليس بمعصوم ولا مضمون حقا لصاحبه، بل هو مباح بنفسه، فإذا بذله باختياره عن تراض فقد صح أخذه، والحربي ليس مخاطبا بفروع شريعة الإسلام- رده الشافعية بأنه لا يلزم من كون أموال الحربيين تباح بالاغتنام أنها تستباح بالعقد الفاسد، وإذا كان الحربي غير مخاطب بفروع الشريعة في تصرفه فالمسلم مخاطب بها فيه، وقيل حديثا: إن رأي الحنفية إنما يكون واردا إذا كان المسلم هو الذي يأخذ الفضل، كما اشترط الإمامية، ولا يصح إذا أعطى المسلم الفضل.

ونجد في كل ذلك خلطا بين زيادة القيمة التي يقع بها الغبن ويصيب بها المتعاقد خيرا مما أعطى، وبين ربا الفضل، وهو كما بينا زيادة مقدار فحسب، لا تقتضي زيادة في قيمة أحد البدلين، ليصح اشتراط أن يأخذها المسلم، وقد يضاربها. فقد يكون البدل الأكبر