للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طريقته واستقصاؤه

كان أبو داود - كما سلفنا - يريد جمع أحاديث الأحكام التي يحتج بها الفقهاء وكان ذلك همه الأول، وقد استطاع أن يبلغ أكثر ما يريد، وهذا واضح من استعراض كتابه وهذا ما قرره العلماء أيضا.

قال الدهلوي في " حجة الله البالغة ":

(كانت همة أبي داود جمع الأحاديث التي استدل بها الفقهاء ودارت فيهم، وبنى عليها الأحكام علماء الأمصار فصنف " سننه " وجمع فيها الصحيح والحسن واللين والصالح للعمل) (١).

وقال الدهلوي أيضا في صدد حديثه عن الترمذي وأنه جمع بين طريقة الشيخين الذين بينا وطريقة أبي داود الذي جمع كل ما ذهب إليه عالم من العلماء فقال:

(كان استحسن طريقة الشيخين حيث بينا وما أبهما، وطريقة أبي داود حيث جمع كل ما ذهب إليه ذاهب، فجمع كلتا الطريقتين وزاد) (٢) ويدلك على ذلك أنه يعقد بابا في جواز الشيء وكراهته، وهذا كثير جدا، مثل: (باب كراهة استقبال القبلة عند الحاجة) والباب الذي يليه (باب الرخصة في ذلك) (٣) ومثل (باب الوضوء من مس الذكر) والباب الذي يليه (باب الرخصة في ذلك) (٤).

وفي جمعه لكل ما ذهب إليه العلماء فوائد منها:

بيان أن بعض الأحاديث أقوى من بعض، لا سيما عندما يعلق على واحد مضعفا إياه ويسكت عن آخر.

ومنها بيان أن الأمر جائز مع الكراهة وليس حراما، أو هو رخصة.

ومنها إتاحة الفرصة للإنسان لكي يوازن بين أقوال العلماء ويرجح ما ينصره الدليل ويعضده.

* وقد ذكر هو في " رسالته إلى أهل مكة " أنه قصد جمع أكبر قدر ممكن من السنن التي عليها مدار الأحكام فقال:

(فإن ذكر لك عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة ليس مما خرجته فاعلم أنه حديث واه إلا أن يكون


(١) " قواعد التحديث " ص ٣٣١.
(٢) " قواعد التحديث " ص ٣٣٢.
(٣) " انظر السنن " ١/ ٣٠ - ٣١.
(٤) انظر " السنن " ١/ ٨٤ - ٨٥.