للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ننتقل بعد هذا إلى عقوبة أخرى قررها الشرع على كبيرة من كبائر الذنوب هي السرقة، وحدها القطع - أي قطع اليد كما قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (١).

ومجمل تفسير الآية أن الله سبحانه أمر بقطع يد السارق رجلا كان أو امرأة؛ مجازاة لهما على فعلهما المنكر وعقوبة رادعة زاجرة، والله سبحانه حكيم في شرعه، فلا يأمر إلا بما فيه مصلحة لعباده بما في ذلك قطع يد السارق.

وفي قوله تعالى {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} (٢) أي تاب ورجع عن السرقة فإن الله سبحانه يقبل توبته فلا يعذبه في الآخرة، وهذه المسألة خلافية بين العلماء أكثرهم على أن توبة السارق المشار إليها في الآية لا تسقط عنه الحد في الدنيا وإنما تسقط عنه العذاب في الآخرة، ورأى بعض العلماء إسقاط الحدود بالتوبة في السرقة وغيرها، إذا جاء من استحق إقامة الحد تائبا بنفسه من غير أن يطلب، وسلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مسلكا وسطا بين هذين القولين فقال: إن الإمام مخير إذا جاء تائبا بين أن يتركه كما قال الرسول صلوات الله عليه لصاحب الحد الذي اعترف به: «اذهب فقد غفر الله لك (٣)»، وبين أن يقيمه كما أقامه على ماعز والغامدية وقد اعترفا بالزنى لما اختارا إقامته وأبيا إلا التطهير.


(١) سورة المائدة الآية ٣٨
(٢) سورة المائدة الآية ٣٩
(٣) سنن الترمذي الحدود (١٤٥٤)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٣٩٩).